جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

أميركا في انتظار الحسم النهائي

تشير استبيانات الرأي الأميركية الأخيرة إلى أن 70% من أنصار الحزب الجمهوري يرون انتخابات 2020 غير نزيهة، والمحاكم الأميركية في مختلف الولايات ما زالت مشغولة، هذه الأيام، بالنظر في الدعاوى المرفوعة من الفرق القانونية المجنّدة من الرئيس ترمب والحزب الجمهوري، وإلى حدّ الآن، لم يتمكنوا من إقناع القضاة بمزاعمهم حول تزوير الانتخابات. وفشلوا في تحقيق فوز قضائي مرموق. ورغماً ذلك ما زال أغلبية الجمهوريين، تحت قيادة الرئيس ترمب، يصرّون على عدم الاعتراف بالرئيس المنتخب ويرفضون، التعاون مع فريقه الرئاسي على التسريع بإجراءات تسليم السلطة سلمياً، بشكل يضمن عدم حدوث فراغ سياسي.
واستناداً إلى تقارير إعلامية، في انتخابات عام 2000، بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن والمرشح الديمقراطي آل غور، اضطر الفريقان إلى إرجاء عملية تسليم وتسلم السلطة إلى حين انتهاء المحكمة العليا الاتحادية من النظر في الدعوى المرفوعة من المرشح الجمهوري بوش. وأصدرت المحكمة حكمها لصالح الأخير يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) 2000. وفي التقرير الصادر عن اللجنة الأمنية المكلفة بالتحقيق في تفاصيل عملية 11-9 الإرهابية في أميركا، أشار المحققون، في خلاصة تقريرهم، إلى أن التأخير، آنذاك، في عملية تسليم وتسلم السلطة، كان ضمن أحد الأسباب التي أعاقت قيام الجهات الأمنية بواجبها في متابعة المتورطين في تلك العملية الإرهابية، وإحباطها. ومع ذلك، فإن نجاح الجمهوريين في الفوز بتلك الانتخابات، بمساعدة القضاء، أفادهم في تعلم درس جديد ومختلف، أضافوه بحماس إلى ما راكموه، عبر الأعوام، من تكتيكات انتخابية، يؤكد ضرورة اللجوء إلى القضاء في أي انتخابات رئاسية قادمة، إن كانت نتائجها مخالفة لتوقعاتهم. وخلال الحملات الانتخابية الرئاسية لعام 2016 تبجح المرشح الجمهوري، وقتذاك، دونالد ترمب، أمام أنصاره بخبرته في التقاضي، ومشبّهاً نفسه بحامل شهادة دكتوراه في التقاضي. التقارير الإعلامية تؤكد أن رجل الأعمال دونالد ترمب، قبل توليه منصب الرئاسة عام 2016 انخرط في رفع نحو 3500 دعوى قضائية. ورغم خسارته نسبة كبيرة منها، لم يُعرف عنه مطلقاً اعترافه بخسارة.
«اللعب على المكشوف»، في اعتقادي، مصطلح جديد، ومن الممكن أن يشكل إضافة ترمبية للمعجم السياسي الأميركي المعاصر. وتفسيري لذلك أن جدارة المصطلح المستحقة تتجسد في الأجندة التي يعمل الرئيس ترمب بدأب على تحقيقها، من دون مواربة. فهو إلى يومنا هذا يواصل ترديد وتأكيد تزوير الانتخابات من دون تقديم دليل ملموس، لكنه لم يصرح مطلقاً، ولو عَرَضاً أو تلميحاً، بأنه لن يغادر البيت الأبيض حين يحين الموعد. وهو يعلم جيداً أن خروجه من البيت الأبيض يوم 20 يناير (كانون الثاني) القادم محتّم، لكنه في رأي العديد من المعلقين، سيظل، بشكل آخر، مقيماً تحت سقف ذلك البيت وفي ردهاته وصالاته على شكل شبح مقلق يطارد الساكن الجديد وأعضاء فريقه بنفس المزاعم والاتهامات عبر وسائل الإعلام طيلة السنوات الأربع القادمة. الأمر الآخر هو أنه بذلك التصرف غير المسبوق يحافظ، في الوقت نفسه، على تواصله مع قاعدته الشعبية، تهيئةً لعودته شخصياً، أو من يختاره، في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024، هذا الحضور الكابوسي سوف تكون له بلا شك تأثيراته السلبية على الرئيس بايدن، وسيرهق الإدارة الجديدة، وربما يصيبها بحالة من شلل مؤقت يعيقها عن تنفيذ برامجها ووعودها للناخبين. فهي، من جهة، ستظل في نظر جزء كبير من الأميركيين لا تملك مشروعية انتخابية، لأنها وصلت إلى الحكم بالتزوير، حتى رغم عدم ثبات التهمة قضائياً. ومن جهة أخرى، فإن الرئيس بايدن وفريق إدارته سيجدون أنفسهم خائضين في معامع لن يتوقف الرئيس ترمب عن إلقائها عليهم، أو رميها في طريقهم، لإطفاء أي توهج سياسي محتمل، يسهم في مد جسور الثقة بينهم وبين الناخبين، ويزيد من فرص عودتهم إلى الحكم في الانتخابات القادمة. أضف إلى ذلك، ما ستقيمه الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ (The Senate) من عوائق وحواجز تعيق تقدم أي برامج سياسية خارج مبنى مجلس الشيوخ تتقدم بها الإدارة الجديدة وتتطلب الموافقة. وكل ذلك في مجموعه سيؤدي ربما، إلى صعوبات أمام إدارة الرئيس المنتخب بايدن.
لكنَّنا ما زلنا في انتظار الحسم النهائي في يوم 14 ديسمبر المقبل ليقول المجمع الانتخابي كلمته، ويحسم الأمر.