كلارا فيريرا ماركيز
TT

فيروس «كوفيد ـ 19» يفاقم شتاءً روسياً بارداً

عاودت عدوى فيروس «كورونا» تسجيل الأرقام القياسية من جديد في روسيا، خامس أكثر دول العالم تضرراً من الجائحة من حيث القيمة المطلقة. إلا أنَّ هذه المرة تتحمل المقاطعات العبء الأكبر، ذلك لأنه جرى تسجيل ما يقرب من ثلاثة أرباع الحالات الجديدة خارج موسكو. وتشير تقارير تبعث على القلق إلى نفاد الأسرَّة والأطباء وحتى الأكسجين في بعض المناطق.
حتى عند الاعتماد على الأرقام الرسمية التي ربما تقلل من حجم الخسائر، يتضح أن هذه الموجة الأخيرة للوباء تتحول إلى اختبار صعب أمام إدارة الرئيس فلاديمير بوتين.
من جهته، فوَّض الكرملين السلطات المحلية بمهمة التعامل مع الوباء، رغم كونها غير مجهزة للتعامل معه. والآن، يفرض عبء حالات الإصابة ضغوطاً كبيرة على نظام يتسم بمركزية السلطة والموارد على امتداد الجزء الأكبر من العقدين الماضيين. في الوقت ذاته، واجه أول لقاح تقره روسيا لفيروس «كوفيد- 19»، والذي جاء الإعلان عنه بمثابة انقلاب على صعيد العلاقات العامة، مشكلات في الإنتاج.
في بداية الجائحة، كانت موسكو محور الوباء داخل روسيا. وتتميز العاصمة الروسية بمستشفيات عالمية المستوى وتعتبر على مستوى عالٍ من التجهيز. وسرعان ما تحرك عمدة المدينة وفرض إجراءات إغلاق محلية صارمة. وقد جعل ذلك من السهل تبرير التخفيف السريع للقيود في مايو (أيار)، وساعد على الأرجح الاقتصاد الروسي على تقديم أداء أفضل مما كان يُخشى. ومع ذلك، فإن الفشل في فرض القيود على نطاق أوسع لفترة أطول تسبب في استمرار ارتفاع أعداد حالات الإصابة الجديدة طوال الصيف، ولم تكن بعيدة جداً عن 5000 حالة يومياً، حتى في أدنى مستوياتها. ورغم مرور الوقت، لم تختفِ الموجة الأولى تماماً قط، وإنما تراكمت رويداً رويداً لتتحول إلى موجة ثانية أشد خطورة.
اليوم، تضرب الجائحة روسيا في أشد المناطق إثارة للألم، وفي مناطق نائية في كثير من الأحيان تتسم بتدني مستوى خدمة الأطباء بمجال الرعاية الأولية والمرافق التقنية الحديثة. ولدى تعديل أعداد السكان، تكشف الأرقام الرسمية للحالات النشطة أن جمهورية التاي في جنوب سيبيريا، ومنطقة يامالو - نينتس الغنية بالنفط الواقعة في أقصى الشمال، وكالميكيا في الجنوب الغربي، كانت جميعها أشد تضرراً عن العاصمة. الملاحظ أن معدلات الإصابة تتسارع في خمسي مناطق البلاد البالغ عددها 85 منطقة. وتشهد معظم هذه المناطق، مثل جمهورية التاي، معدلات إصابة أعلى بكثير مما كان عليه الحال في الربيع، حتى مع الوضع في الاعتبار زيادة أعداد الاختبارات. في الوقت الراهن، لا يوجد لدى معظم هذه المناطق سوى قيود متواضعة لمكافحة تفشي الجائحة.
وفي حين أظهرت البيانات الوطنية أن ما يقرب من خُمس الأسرَّة شاغر، قالت نائبة رئيس الوزراء تاتيانا غوليكوفا في اجتماع مع أعضاء مجلس الوزراء في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) إن أكثر من 90 في المائة من السعة المتاحة في 16 منطقة مشغولة بالفعل، وفي 5 مناطق، تجاوزت نسبة الإشغال 95 في المائة.
من جهتها، قدرت صحيفة «كوميرسانت» أن الأسرَّة المجانية في منطقة نوفوسيبيرسك بلغت 3 في المائة فقط أواخر الشهر الماضي.
من ناحية أخرى، ربما يكون هذا بعضاً من أمر حتمي لا مفر منه؛ خصوصاً أن العدوى تنتشر في جميع أنحاء أوروبا وسط طقس أكثر برودة، ومعدلات الإصابة هناك أسوأ بكثير. على سبيل المثال، تجاوزت فرنسا التي ضربتها موجة ثانية وحشية، روسيا، لتصبح رابع أكثر دول العالم تضرراً بالجائحة، وتسجل أرقاماً قياسية حتى بعد إجراءات إغلاق وطني جديدة.
ومع ذلك، فإن الأزمة الحالية في روسيا تعد نتاجاً في الوقت ذاته لأزمة قدرة وحوكمة، ذلك أن كثيراً من المناطق تركت من دون وسائل مالية وإدارية كافية للتعامل مع الوباء.
في سياق متصل، من المهم أن تظل المناطق معتمدة على نحو كبير على التمويل القادم من موسكو؛ خصوصاً أن ميزانياتها تضررت جراء انخفاض أسعار النفط، وإيرادات الضرائب التي تقرر إرجاؤها بسبب الوباء. في هذا الصدد، أوضح المحلل السياسي أندراس توث تشيفرا أنه جرى رفع الدعم الفيدرالي والسماح بمزيد من الاقتراض؛ لكن في إطار الفيدرالية الروسية، لا يجري تقاسم الامتيازات بالتساوي بالضرورة. وأضاف أنه يجري ضخ الأموال في نظام غير ملائم، في حين كان من الممكن تمكين المناطق من بناء قدراتها مسبقاً.
في الواقع، هناك منطق وجيه وراء السماح للولايات بأخذ زمام المبادرة في التعامل مع الجائحة؛ خصوصاً أن روسيا شديدة التنوع والمسافات بها شاسعة؛ لكن من غير المنطقي طلب تحقيق الأطراف لنتائج جيدة في وقت يجري فيه استنزاف الموارد في المركز.
من ناحيتها، تدرك موسكو المخاطر القائمة هنا. وقد سعت إلى منع الأطباء من التحدث علانية. واعترف المتحدث الرئاسي، بوجود «إخفاقات» في مناطق لم يسمها. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الكرملين يتعرض لضغوط لتغيير مساره على نحو مفاجئ، وإعادة التفكير في ميزان القوى داخل أكبر دولة في العالم، على الأقل ليس بعد.
الحقيقة أن هذا الترتيب يعمل لمصلحة النظام، ولا توجد بدائل داخلية ذات مصداقية يمكن أن تحث على التشكيك في جدوى إدارة بوتين، كما أخبرتني جودي تويج، الأستاذة في جامعة «فرجينيا كومنولث» التي تدرس السياسة والصحة الروسية.
المعروف أن العالم الغربي يناضل هو أيضاً لاحتواء العدوى - الولايات المتحدة، على سبيل المثال، حققت أرقاماً قياسية جديدة - ويمكن لروسيا على الأقل أن تتباهى ببراعة لقاحها (وتجتذب الدول النامية من خلاله). وحظي لقاح ثانٍ بالموافقة، وإن كان ذلك قد حدث - من جديد - دونما إجراء تجارب على نطاق واسع.
اليوم، تتعرى بوضوح نقاط القصور في النظام شديد المركزية في روسيا. وفي غياب التوزيع السريع للقاح، أو قيود أكثر صرامة أو تعافٍ في أسعار النفط، قد يسبب تجاهل نقاط القصور تلك ألماً لا يُحتمل للبلاد.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»