مايكل سترين
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

أميركا واقتصاد الجائحة

تشهد حالات الإصابة بفيروس «كوفيد ـ 19» ارتفاعاً مطرداً في الفترة الأخيرة ـ لكن أخيراً ظهرت بارقة أمل في نهاية النفق. وتشير نتائج الاختبارات الأولية إلى أن اللقاحات التي يجري العمل على تطويرها بواسطة شركتي «فايزر إنك» و«موديرنا إنك» أكثر فاعلية مما توقعه الكثيرون. في الوقت ذاته جرى تحسين بروتوكولات العلاج وتوافرت علاجات جديدة، في الوقت الذي تتحرك معدلات الوفيات نحو مزيد من الانخفاض.
في الواقع، التطورات الطبية ليست الشيء الوحيد الذي يحقق لك قفزات نحو الأمام. وتكشف الأرقام أن الاقتصاد أضاف عدداً هائلاً ـ 638000 ـ من الوظائف الجديدة في أكتوبر (تشرين الأول)، في الوقت الذي انخفض فيه معدل البطالة إلى أقل عن 7 في المائة. وحتى الآن، تجنب الاقتصاد المشكلات الهيكلية الناجمة عن جائحة فيروس «كورونا» والركود. في واقع الأمر، جاءت طلبات إشهار الإفلاس التجاري أقل عن مستويات ما قبل الجائحة. ولا تزال الشركات الصغيرة على قيد الحياة، وكشفت إجراءات الإغلاق في الربيع الماضي أن الشركات الجديدة قوية على نحو مدهش، بينما تمكنت الشركات الأميركية الكبيرة من الوصول إلى التقديرات السابقة المتوقعة لأرباحها.
ومع ذلك، يتعين على الجميع توخي الحذر وعدم السماح لهذه الأخبار السارة بحجب الحاجة الملحة للاقتصاد إلى دعم حكومي إضافي، خاصة أن التعافي الاقتصادي من فترة ركود الربيع يتباطأ في الوقت الراهن، والتوقعات لفصل الشتاء مقلقة. لذلك، سيكون من الخطأ الانتظار حتى يدلي الرئيس المنتخب جو بايدن اليمين الدستورية في أواخر يناير (كانون الثاني) لمنح الاقتصاد الدعم الذي يحتاجه اليوم. وسيكون من الصعب التوصل إلى تسوية بين الحزبين السياسيين بهذا الخصوص، لكنها ضرورية.
من ناحية أخرى، ساعد قانون «كيرز» - قانون التعافي الاقتصادي الذي تقدر قيمته بـ1.8 تريليون دولار والذي جرى تمريره في مارس (آذار) - الاقتصاد على التعافي السريع في مايو (أيار) ويونيو (حزيران). ومع ذلك نعاين اليوم تلاشي آثاره وتباطؤ التعافي نتيجة لذلك. بالنسبة ليونيو، انخفضت المكاسب الشهرية للوظائف بنسبة 69 في المائة في أغسطس (آب) و87 في المائة في أكتوبر. بلغ عدد العاطلين عن العمل منذ فترة طويلة في أكتوبر ضعف عددهم في يونيو.
وفي تلك الأثناء، انخفض مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك خلال نوفمبر (تشرين الثاني) وتراجع إنفاق المستهلكين لأدنى مستوياته منذ أوائل سبتمبر (أيلول)، وفقا لما أفاده خبراء اقتصاديون لدى «جيه بي مورغان تشيس آند كو». ونجح قانون التعافي الاقتصادي الذي جرى تمريره في مارس في تعزيز الدخل، وارتفع معدل الادخار الشخصي إلى 34 في المائة في أبريل (نيسان)، لكن الأسر تحرق من مدخراتها، وانخفض المعدل بمقدار 20 في المائة في سبتمبر.
ومن المتوقع أن يؤدي تفشي الوباء إلى كبت النشاط الاقتصادي أكثر هذا الشتاء، وكذلك الطقس البارد، مما سيحد من الأنشطة الخارجية.
يحتاج الاقتصاد إلى الدعم في نوفمبر وديسمبر (كانون الأول) ويناير، وسيكون الانتظار حتى فبراير (شباط) - والسماح بضرر كبير في الأشهر الفاصلة - خطأً فادحاً.
وبالنظر إلى أن المستهلكين اليوم ربما يكونون أكثر استعداداً لتحمل مخاطر الإصابة بالمرض من أجل التمتع بحياة يومية طبيعية، لذلك قد يكون الاقتصاد قادراً على التعافي خلال فصل الشتاء، لكن بوتيرة أبطأ، حتى في ظل ارتفاع أعداد الإصابات.
وحتى لو كان ذلك محتملاً، تظل هناك حاجة إلى حزمة انتعاش اقتصادي أخرى. ويميل ميزان المخاطر بقوة باتجاه ضرورة ضخ دعم إضافي. إذا كان المتفائلون مخطئين، فإن التكاليف الاقتصادية والبشرية للتقاعس عن العمل ستكون فادحة. وإذا كانوا على حق، فإن الضرر الناجم عن الكثير من التحفيز الإضافي سيكون ضئيلاً. ويعد تباطؤ وتيرة الانتعاش سبباً كافياً لضرورة ضخ مساعدات فيدرالية إضافية.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الانتظار حتى شهر فبراير يعني عدم تقديم أي مساعدة للعمال العاطلين عن العمل والأسر ذات الدخل المنخفض والمدارس والشركات الصغيرة على امتداد للأشهر الثلاثة القادمة. ولا ينبغي للديمقراطيين في الكونغرس المغامرة بوقف دعم الأسر الضعيفة والأعمال التجارية، وإنما المنطقي أنهم يرغبون في تعزيز الاقتصاد اليوم حتى يصبح في أقوى صورة ممكنة في ظل بايدن.
وتبدو ملامح التسوية الواجب التوصل إليها من جانب الحزبين الديمقراطي والجمهوري واضحة: جولة جديدة من المساعدات موجهة هذه المرة إلى الشركات الأصغر ـ أي التي يقل عدد العاملين بها عن 300 موظف ـ بحيث تكون أكبر عن دفعة المساعدات التي صدرت في مارس، بجانب الإنفاق على إجراءات الصحة العامة والتأمين الصحي وتوسيع نطاق وحجم إعانات البطالة، إضافة إلى توفير الحماية إلى الشركات في مواجهة الدعاوى القضائية المرتبطة بجائحة فيروس «كوفيد ـ 19».
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»