تيموثي إل. أوبريان
TT

فشل لقاح «ريمديسفير» بمثابة تحذير

أفادت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قبل أقل من شهر بأن المستشفيات بإمكانها استخدام عقار «ريمديسفير» من إنتاج شركة «غيليد ساينس إنك» لعلاج مرضى «كوفيد - 19»، الذي يباع تحت الاسم التجاري «فيكلوري»، نظرا لأنه يقلل من زمن العلاج، ويقلل من الحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي. وبالأمس، ضغطت «منظمة الصحة العالمية» على المكابح، وأوصت الأطباء بتجنب استخدام العقار نهائياً.
وقد أصدرت «منظمة الصحة العالمية» تحذيرها مستشهدة بدراسات تفصيلية، تقول إنه «لا يوجد في الوقت الحالي أي دليل يشير إلى أن لقاح ريمديسفير يعمل على تحسين فرص البقاء على قيد الحياة، أو يغني عن الاستعانة بأجهزة التنفس الصناعي، أو يقلل من الوقت المطلوب للراحة في السرير، وغيرها من النتائج المهمة بالنسبة للمرضى».
وقد جمعت «منظمة الصحة العالمية» آراء عدد من الخبراء الذين اتفقوا على نتيجة واحدة توصلوا إليها ونشروها في مجلة طبية مرموقة، حيث أجمعوا على أن عقار «ريمديسفير» لا يقدم سوى «فوائد محدودة وغير مؤكدة»، وأن «احتمالات حدوث أضرار بالغة الأهمية» تفوق فوائده. من جانبها، أصرت شركة «غيليد» على موقفها من العقار، مستشهدة بدراسات أخرى تدعم فاعليته.
لا يمكن إنكار أن عنصر السرعة مهم في السباق للتغلب على «كوفيد - 19»، ومن حسن حظ العالم أيضا أن هناك باحثين مبدعين ومتفانين في القطاعين العام والخاص يقدرون على إنتاج لقاح لمواجهة فيروس «كوفيد - 19» في زمن قياسي. لكن رفض «منظمة الصحة العالمية» يذكرنا أيضاً بأن التسرع في تطوير العقاقير والحصول على الموافقة عليها أمر محفوف بالمخاطر، وهو ما يسلط الضوء أيضاً على ضرورة ألا يقف دور «إدارة الغذاء والدواء» عند التصديق على أي عقار استجابة لضغوط البيت الأبيض في الإسراع بالوصول إلى علاج شاف.
وكما أشار زميلي ماكس نيسين مؤخراً، فإنه من الغريب أن تمنح «إدارة الغذاء والدواء» الموافقة الرسمية على عقار «ريمديسفير» كعلاج للفيروس في أكتوبر (تشرين الأول) بعد أن بات متاحاً بالفعل للمستشفيات والمرضى بموجب تفويض فيدرالي باستخدام الدواء في حالات الطوارئ صدر في مايو (أيار). ومنذ ذلك الحين، باتت البيانات التي تدعم فوائده غامضة، ومن غير المرجح أن توسع «إدارة الغذاء والدواء» استخدامه بشكل كبير. وكما أشرت في مقال سابق، فإن «ريمديسفير» مكلف أيضاً، ربما ليس مكلفاً مثل الأدوية الأخرى التي حققت نجاحاً هائلاً، لكنه لا يزال مكلفاً.
قدم عالمان هما جون كوهين، وكي كوبفيرسشميت، بعض الإجابات لمجلة «ساينس» بشأن هذه الألغاز في موضوع متخصص نُشر أواخر الشّهر الماضي، وأشاروا إلى أن «إدارة الغذاء والدواء» والاتحاد الأوروبي قد أقرا استخدام «ريمديسفير» رغم الفجوات الإجرائية الصارخة.
لم تستشر هيئة «الغذاء والدواء» الخبراء الخارجيين التي عادة ما تعود إليهم عند اعتماد تصنيع مضادات الفيروسات. ووافق الاتحاد الأوروبي على تسعير الأدوية قبل أسبوع فقط من نشر النتائج الباهتة لتجربة رئيسية أجريت على العقار في السابق، ثم اتضح أن جميع البيانات الجديدة لم تكن صحيحة. (كانت شركة غيليد على علم بذلك بعد أن أخضعت العقار للتجربة، وعلمت أن النتائج سيئة).
أشار العالمان في بحثهما بمجلة «ساينس» إلى أن تقاعس «إدارة الغذاء والدواء» عن العمل بشأن ريمديسفير «يتناقض بشكل صارخ مع طريقة تعاملها مع اللقاحات المحتملة الأولى لـ«كوفيد - 19». فمع عقار ريمديسفير تحديدا، فشلت إدارة الإدارة في الحصول على إجماع المستشارين الطبيين على فاعلية العقار».
وأعرب الكثير من الباحثين الطبيين البارزين عن تشككهم في العقار، ومنهم مارتن لاندي من جامعة أكسفورد، الذي قال إن العقار غير مفيد لعلاج المرضى ذوي الحالات الخطرة، مضيفاً أنه على أي حال، يتعافى أغلب الأشخاص المصابين بمرض «كوفيد - 19» من دون علاج طبي.
في حديث مع المجلة، قال لانتري إن «الحجة القائلة بأنه كلما استخدمت العقار مبكراً، كان ذلك أفضل، ويمكن بعد ذلك أن تدرك العواقب المترتبة على ذلك، وأنك قد لا تنقذ الكثير من الأرواح، لكن عليك بعلاج الكثير من المرضى، أمر غير مريح على الإطلاق، وسوف يكبدك خسائر فادحة».
كان من الوارد أن تتلقى «غيليد» معاملة خاصة. ففي شهر مايو، عندما حصل عقار ريمديسفير على موافقة الاتحاد الأوروبي، جرى الترحيب بالمسؤول التنفيذي للشركة دانييل أوداي في المكتب البيضاوي لالتقاط صورة مع الرئيس دونالد ترمب ومفوض «إدارة الغذاء والدواء» ستيفن هان. وقد وصفه ترمب، الذي عولج بالعقار ذاته بعد إصابته بالفيروس بأنه أخذ حفنة عقاقير استخدمها وكانت «معجزة من السماء».
كانت المستشفيات أقل حماساً وكانت تخفض بشكل حاد من استخدامها لـ«ريمديسفير» بسبب تكلفته وأعطته فقط للحالات الأكثر خطورة، الأمر الذي يجعل حماس إدارة الغذاء والدواء للعقار وللشركة المنتجة أكثر غرابة. وافقت إدارة الغذاء والدواء على العقار بناء على ثلاث تجارب، وكان أهم هذه التجارب تلك التي أجرتها هيئة «معاهد الصحة الوطنية». وشأن «إدارة الغذاء والدواء»، فإن «معاهد الصحة الوطنية» أيضا تتبع «إدارة الصحة والخدمات الإنسانية». وربما كان من المهم أن تعتمد «إدارة الغذاء والدواء» على التجارب الداخلية قبل الموافقة على «ريمديسفير» استجابة لمطالب ترمب بالموافقة على علاج ولو كان سطحياً لـ«كوفيد - 19». وربما كان من المهم أن نعرف أن أليكس أزار، المدير التنفيذي السابق لشركة «فارما»، وأحد أنصار ترمب، هو نفسه المدير المسؤول عن «إدارة الصحة والخدمات الإنسانية».
لذلك يتعيّن علينا أن نضع في الاعتبار كل ما سبق في ضوء استمرار إدارتي «الصحة والخدمات الإنسانية» و«الأغذية والأدوية»، في الاضطلاع بأدوار محورية في الإشراف على الموافقة على الأدوية الأكثر أهمية وتنظيم إجراءاتها، والمقصود هنا العقاقير التي أعلنت شركتا «فايزر إنك» و«موديرنا» طرحهما على الطاولة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»