حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

غادر ترمب وحضرت «الترمبية»

إذا توقف هطول المطر فلا يعني الأمان من التعرض لاحتمالية تدفق السيول الجارفة، وكذلك وضع الرئيس ترمب، سيغادر البيت الأبيض لكنه سيترك «ترمبية» باقية وتتمدد، وتجرف «تقليدية» منصب رئاسة الدولة الأعظم، لتكون نمطاً في الزعامة السياسية يفرض نفسه، سواء أحبه الناس أم كرهوه.
معادلة شعبية ترمب مثيرة وعكس القوانين الفيزيائية، فهو يرأس قمة هرم الدبلوماسية العالمية، ويكاد يتعامل مع كل أحد بلا دبلوماسية، صرامة وقوة وخشونة وأنف مرفوع يكاد يلامس السماء، ولهذا النمط جمهوره العريض في أميركا وربما الدول الغربية.
الرئيس ترمب مصارع جَلِد مع الخصوم الدوليين والمحليين والإعلاميين، وله منازلات لا تنتهي، كلما خبت نار صراع أشعل بعود ثقابه صراعات أخرى، بل لديه قدرة مذهلة على التعامل مع صراعات عديدة في آن واحد، وحتى ندرك كمية الصبر والجَلَد عنده، أغلبية الإعلام الأميركي في جبهة والرئيس ترمب في جبهة لوحده، فهو عن كتيبة، واللافت أن خصومته للإعلام بقدر ما جلبت له ضرراً في انفضاض الناس من حوله، بقدر ما عززت شعبيته... فقد كسر التقاليد السياسية والأعراف الدبلوماسية، وهذا أحد أنماط «الترمبية» التي ستغزو عالم السياسة محلياً وعالمياً وعززت جماهيريته.
يكفي الرئيس ترمب أنه انتقل من عالم التجارة إلى عالم السياسة بإنزال مظلي من دون أن يتدرج في سلم السياسة، وهذا ما جعل لشعبيته مذاقاً حراقاً عند جمهوره العريض، ونمطه المثير في القيادة هو الذي جلب له شعبية جماهيرية نافس بها بايدن بندية، وهذا النمط أيضاً هو الذي نَفَّر عنه شريحة أكبر، ولو أن ترمب بكاريزميته الطاغية وقوة شخصيته وعفويته مزجها ولو بقليل من ركازة ووقار الساسة المعتقين، لربما أمكنه ذلك أن يكتسح بايدن، فنسبة كبيرة من الذين صوتوا لبايدن كان مبعثه عدم الارتياح لترمب وليس إعجاباً ببايدن، وأكبر دليل على شعبية نمط «الترمبية» أن الرئيس ترمب خاض منافسة طابعها الندية، رغم أن فترة رئاسته لأميركا شهدت انتشار وباء كورونا الذي هزَّ المجتمع الأميركي وخسف بمؤشر النمو الاقتصادي، كما شهد عهد ترمب أعمال العنف التي اندلعت بسبب خنق شرطي أميركي لجورج فلويد الأميركي من أصول أفريقية، ومع ذلك كانت نتائج التصويت لترمب محرجة للطرف المنافس.
واللافت أن انتقاد خصوم الرئيس ترمب بأنه يستخدم عبارات مهيجة للجماهير فيها تأجيج التوتر العرقي والثقافي، هو ذاته أحد أسباب شعبيته وتماسك منافسته في سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكنه بالتأكيد أحدث شرخاً في بنية المجتمع الأميركي استغله منافسه بايدن، بوعده بأن يكون العطار الذي يصلح ما أفسده دهر ترمب.