حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

خطاب الكراهية والمقاطعة

لم ولن ينتهي الجدل حول أزمة الإساءات المتكررة لجناب المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. السيناريو كالتالي: سيتشبث المسلمون بالدفاع المستميت عن نبيهم، ومعهم في ذلك الحق الكامل، وسيتمسك الفرنسيون ومعهم شريحة كبيرة من الساسة الغربيين بمبدأ الدفاع عن الحريات الصحافية، ولن نخرج من هذا المأزق المظلم بدليل أن واحدة من أكبر عمليات المقاطعة الجماعية كانت تلك التي قاطع فيها عدد كبير من المسلمين ومن دول إسلامية مختلفة المنتجات الدنماركية بعد نشر الرسوم المسيئة قبل نحو 14 سنة، ومع ذلك تحدتها الصحف الدنماركية بإعادة نشر هذه الرسوم البذيئة بصور تضامنية غير مسبوقة، ويتكرر السيناريو نفسه هذه الأيام مع الرسوم المشينة المسيئة لجناب النبي محمد التي نشرتها صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية والتقطها المعلم الفرنسي وعرضها أمام طلابه وساقت للأسف إلى جريمة مقتله، فتصاعُد حماس الصحيفة الفرنسية لإعادة نشر الإساءة، قابله حملة مقاطعة شعبية من عدد من الدول العربية والإسلامية للمنتجات الفرنسية، وهكذا دخل العالمان الإسلامي والمسيحي في تجاذبات خطرة قد، لا سمح الله، تتصاعد خلالها خطابات كراهية وأعمال عنف انتقامية بتأجيج من المتشددين من الطرفين.
ليس ثمة مخرج من أزمة الرسومات المسيئة وحماية عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم من التدنيس غير تبني المؤسسات الدولية والحقوقية العالمية سن قانون دولي لحماية الرموز الدينية لكل الأديان والمذاهب العالمية وَرموزها، أشبه بالقانون الذي يجرم من يشكك أو يسخر من المحرقة النازية لليهود، فهذا من شأنه أن ينزع فتيل صراع الحضارات الذي نرى بعض أعراضه المرضية بادية واضحة.
المؤلم في شأن الرسومات السيئة أن السياسيين والإعلاميين الغربيين الذين تضامنوا مع رسومات الصحيفة الفرنسية بإعادة نشر هذه الصور القبيحة هم أنفسهم الذين يشكون من عدم اندماج الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية، ومعروف أن من بدهيات هذا الاندماج احترام معتقدات الأقليات وتقدير رموزها، وإلا كيف تريد منها أن تندمج وبعض الساسة الغربيين ومعهم إعلامهم يسمحون بالإساءة إلى أحب البشرية إلى ملياري مسلم؟
أما البريطانيون فقد كانوا أكثر حنكة وإدراكاً لواقع الأقليات المسلمة وحقوقها من نظرائهم الفرنسيين، ففي استفتاء سابق جرى في بريطانيا كان من نتائجه أن أغلبية عينة الاستفتاء ترى أن عليهم أن يحترموا المعتقدات والآراء الدينية للآخرين ومن بينهم المسلمون؛ ولهذا رفضت الصحف البريطانية إعادة نشر الرسومات المسيئة بحجة الرغبة في عدم جرح مشاعر أقلية مسلمة هي في النهاية جزء من شريحة المواطنين البريطانيين.
ثمة أمر آخر سيساعد الجميع على تجنب الجميع حرباً دينية باردة قد تطول، وهو أن يفهم الغربيون أن نظرة المسلمين تجاه دينهم وتجاه رموزهم الدينية تختلف من حيث القوة والحماسة عن نظرة الغربيين إلى ديانتهم ورموزهم الدينية، فمثل هذا الفهم يعتبر مفتاح الحل لكثير من الإشكالات التي يواجهها الغربيون مع جالياتهم المسلمة. ثم إن الخطورة تكمن في استحالة ضبط ردود فعل بعض المسلمين، فهم مثل غيرهم من البشر فيهم المتعقل وفيهم المتأني وفيهم المندفع والمتوتر، فالسماح لمثل هذه الرسوم المسيئة وإعادة نشرها هو بمثابة صب الزيت على النار، وهي الكفيلة باستدراج المتحمسين من المسلمين لارتكاب حماقات.
في الوقت ذاته على العقلاء في الجاليات المسلمة أن يتجاوزوا ردود الفعل العاطفية وعدم الاكتفاء بتنظيم المسيرات والمظاهرات فقط، وأنه يتحتم عليهم الارتقاء بردود الفعل إلى «لوبي» مؤثر مع المجتمعات الغربية، خاصة من خلال الإعلام ودهاليز السياسة.