لقد تحوّل مصطلح «الحرب على الإرهاب والتطرف» إلى بضاعة رخيصة الثمن تُستخدم لأغراض دعائية. لقد تكررت على مسامعنا لعقود، ولكن النتائج مخيبة على أرض الواقع. فقد زادت أفكار التطرّف العنيفة حدة وظهرت تنظيمات إرهابية أكثر بطشاً ودموية.
هناك صراع في منطقة الشرق الأوسط بين خطابين مدعومين من دول وقوى سياسية تحمل رؤى وأهدافاً مختلفة جذرياً لمستقبل المنطقة. الخطاب الدعائي الذي يقدّم نفسه بصورة المحارب للتطرف، بينما ينتهج سياسات تتعارض مع مبادئه المعلنة، وخطاب آخر يدعو لترسيخ مفاهيم التسامح والتعايش على الأرض بصورة راسخة ونهائية.
تتبنى تركيا وحليفتها قطر الخطاب الأول. إن حذف هذين البلدين من الخريطة لدقائق فقط سيجعل أي باحث منصف عن الحقيقة يرى الأضرار الجسيمة التي سنكون بغنى عنها لو كان هذان البلدان غير موجودين. ولكنهما موجودان في الواقع ويكملان رؤيتهم التدميرية في دعم جماعات التطرّف ودعم الميليشيات في دول عدة تماماً على الطريقة الإيرانية التي تموّل وتدرب ميليشياتها الإرهابية المتنقلة في عدد من الدول العربية.
لقد تحولت تركيا في عهد الرئيس إردوغان إلى الوجهة المفضلة لأصناف مختلفة من جماعات تقوم بضمان استمرار المد الفكري الآيديولوجي المتطرف وتستخدم لتنفيذ أجندات أنقرة في تشكيل ميليشيات مسلحة لخدمة أهدافها في سوريا وليبيا وغيرهما من البلدان. وتواجه هذه السياسات المتهورة انتقادات من داخل تركيا نفسها، ومن شخصيات سياسية معروفة، حيث انتقد مؤخراً كمال كليغدار أوغلو رئيس حزب الشعوب التركي سياسات حزب العدالة والتنمية بدعم جماعات «الإخوان» واستعداء الدول العربية الكبيرة.
من جهة أخرى، تلعب قطر أدواراً متعددة في إبقاء الخطاب المتطرف على قيد الحياة وتؤدي دور الممول المضمون لكثير من الجماعات والجمعيات المتطرفة حتى في داخل أوروبا (كريستيان شينو أحد مؤلفي كتاب «أوراق قطرية» يكشف بالأرقام كيف أغرقت قطر أوروبا بالجماعات المتطرفة عبر دعم مشروعاتها بمبالغ وصلت إلى 260 مليون يورو). وعندما تملك هذه الجمعيات المال المتدفق بلا حساب من الدوحة فإنها ستقوم بمواجهة خطاب التسامح والأخوّة الإنسانية الذي يسعى لأن يجد له مكاناً في عقول وقلوب ملايين من المسلمين. ورغم أن الدوحة تدَّعي محاربتها للإرهاب وقامت بمحاكمات صورية لشخصيات صنفتها الخزينة الأميركية في قوائم الإرهاب مثل مموّل «القاعدة» عبد الرحمن النعيمي فإنه في حقيقة الأمر مطلق السراح، ويتحرك بحرية كاملة، ويحضر المسؤولون القطريون حفل زواج أبنائه أمام كاميرات المصورين.
الإدارات الأميركية المتعاقبة ترتكب خطأ جسيماً بالتساهل مع هذه القوى التي تضخ الدم بلا انقطاع للآيديولوجيات المتطرفة، وبالتالي توفر الحياة لكل التنظيمات الإرهابية التي تنتعش فقط بوجود الدعم المالي والفكري بلا رقيب أو حسيب، رغم الدعاية المزيفة البراقة الموجهة للغرب.
ولهذا نفهم أن مقاطعة الدوحة هي خطوة حاسمة وتاريخية للقضاء على مثل هذا العبث الصريح حيث أخذت السعودية ومصر والإمارات والبحرين على عاتقها القضاء على مثل هذا السلوك المزعزع والخطير ليس في منطقة الخليج فحسب، ولكن في منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم. وقد رأينا الأفكار المتطرفة تنتشر بسرعة وتتشكل على هيئة تنظيمات إرهابية وتنتقل بسهولة من مكان لآخر وذلك بسبب داعمين لها.
وتخوض الدول الأربع حرباً حقيقية تحدث أمام أعيننا وليست دعائية للحد من خطاب العنف والتطرف وتعزيز مفاهيم للتسامح والتعايش داخل حدودها أولاً، وفي منطقة لم تعرفها منذ وقت طويل. وبسبب هذه الحرب نرى التحالف الكبير بين القوى المتطرفة السنية والشيعية الساعية لتشويه أهدافها ولتلطيخ سمعة قياداتها.
إن هذه الأفكار المضيئة تنسجم بشكل كامل مع رؤية هذه الدول في خلق بيئة صالحة وصحية أخلاقياً وإنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، وهزيمة داعمي ثقافات الكراهية والتطرف بأسرع وقت، قبل أن تتلوث بها الأجيال الصاعدة. إنها بلا شك الحرب التي تستحق أن يطلق عليها حرب النبلاء.
* المدير العام لقناتي «العربية» و{الحدث}
7:44 دقيقه
TT
حرب النبلاء
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة