حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

نصر «إلهي» و«مال طاهر»

يقول المثل الإنجليزي المعروف: «هناك مائة طريقة لكي تسلخ القطة»، بمعنى آخر وأكثر دقة: هناك أكثر من طريقة لقول أو فعل الشيء ذاته تماماً. هذا بالضبط ما خطر على بالي وأنا أقرأ بسخرية الأخبار المتتالية المتعلقة باتفاق ترسيم الحدود البحرية بين كل من لبنان وإسرائيل، في مباحثات يقودها أحد طرفي الثنائي الشيعي، والمحسوب على المقاومة، رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري بنفسه، وهو بذلك يعلن بشكل عملي ورسمي، ومن أعلى سلطة تشريعية في البلاد، نهاية حالة الحرب بين البلدين.
نعم، وبكل وضوح أُغلِقَت دفاتر حالة الحرب، وتم توقيع اتفاق الاستسلام أو السلام؛ أيهما الأكثر قبولاً، لأن هذا الاتفاق يعني قبول «الآخر»، والاعتراف «التام» به، مما يعني عملياً بدء «العمل والتعاون» المشترك على الأقل في المجال الاقتصادي بصورة عامة، وتحديداً في مجال النفط والغاز. إنها لغة المصالح التي تجاوزت المبادئ والشعارات، أم أنها شيء آخر أكثر إيلاماً ووجعاً ومهانة؟ هناك هزيمة معنوية عظيمة، ومأزق أخلاقي كبير وقع فيه تنظيم «حزب الله» الإرهابي وأنصاره، بإقرارهم الفعلي بالهزيمة والاستسلام أمام الاتفاق الذي وقَّعه مع إسرائيل.
وهذا الوضع المذل لم يأتِ فجأة ودون مقدمات وإنذارات متلاحقة؛ فهناك جولتان مختلفتان فيهما كثير جداً من الدروس والعبر للتنظيم الإرهابي «حزب الله»؛ الجولة الأولى كانت تسريب معلومات دامغة عن حسابات الأموال المنهوبة في المصارف الدولية بالخارج، بالمبالغ المحددة، وأسماء أصحاب تلك الحسابات، والجولة الثانية، التي لا تقل خطورة وأهمية، هي الإعلان عن أماكن تخزين الأسلحة المهربة للتنظيم الإرهابي في مواقع مختلفة مثل الشويفات، وبرج البراجنة، والجناح، ومرفأ بيروت المدمر نفسه، بالإضافة لخرائط دقيقة تكشف أمكنة وجود السلاح المخبأ تحت مجموعة مهمة من الأبنية السكنية. قبل ذلك تم تدمير مرفأ بيروت بشكل مريب في الانفجار غير النووي الأعظم في التاريخ، وجاءت العقوبات المالية من حكومة الولايات المتحدة ضد المسؤول المالي الأول للثنائي الشيعي علي حسن خليل (ومعه مسؤول آخر محسوب عليهم سياسياً، وهو يوسف فنيانوس)»، كقرصة أذن «ومقدمة مهمة لما هو آتٍ»، وبدأ التنظيم الإرهابي «حزب الله» في «استيعاب» الرسالة بعمق شديد، خصوصاً في ظل هيمنة الروس التامة على المشهد العسكري في سوريا، والضوء الأخضر الواضح الذي منحه الروس للقوات الإسرائيلية في استهداف القوات الإيرانية ومرتزقة تنظيم «حزب الله» الإرهابي على الأراضي السورية، وكذلك بقيت مشاهد تصفية قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني على بال قادة التنظيم الإرهابي.
استوعب التنظيم الإرهابي «حزب الله» مضمون الرسالة بالكامل، وتبناها الأطراف المكلفون سياسياً إتمامَ المطلوب، وركضوا لإتمام إجراءات الاستسلام، المعروفة باسم «اتفاق ترسيم الحدود البحرية». اعتاد تنظيم «حزب الله» الإرهابي إطلاق مفردات خاصة به لتمييز خطابه السياسي عن سائر القوى الأخرى المنافسة له في الساحة اللبنانية، فخرج ذات يوم بتوصيف «النصر الإلهي» ليصف معركته الخاسرة في وجه إسرائيل، التي مُنِي فيها وقتها بخسائر كبرى، والتنظيم الإرهابي أيضاً قام باستخدام لفظ «المال الطاهر» الذي تقدمه إيران له، والذي يمر عبر قنوات مشبوهة، فيها غسل للأموال نتاج تجارة المخدرات وتهريب البضائع وتجارة السلاح وتزوير العملات وغير ذلك من العمليات القذرة والمشبوهة، والآن يخرج علينا مسؤولو الآلة الإعلامية للتنظيم الإرهابي بالدفاع عن اتفاق ترسيم الحدود، وأنه «ليس» استسلاماً ولا سلاماً، ولكن «الليس» تبقى غير مقنعة أبداً.
لم يحرر مزارع شبعا ولم يصل للقدس. علماً بأن الترويج لفكرة الطريق إلى القدس، المبرِّر لكل المعارك التي خاضها التنظيم الإرهابي، لم تكن من اختراعه، ولكن جاء بها من قبله الخميني في حربه المدمرة ضد صدام حسين. وقتها أطلق الرجل شعار «طريق القدس يمر عبر كربلاء»، ولم يصل إلى كربلاء ولا إلى القدس. دور جديد للتنظيم في المنطقة ضمن مشروعه السياسي الذي لا يزال قائماً، ولن يكون مواجهة عسكرية ضدها مجدداً، مع عدم إغفال إمكانية التعاون والتنسيق تماماً كما سيحدث في الشأن الاقتصادي.
تنظيم «حزب الله» له علاقات وثيقة «تمويلية» مع قنوات إسرائيلية عن طريق ممولي الحزب في غرب أفريقيا، وتجارتهم في الألماس، مروراً ببلجيكا والتجار الإسرائيليين. هذه المعلومات معروفة، والآن كل شيء سيكون علناً وعلى المكشوف بعد اتفاق السلام أو التسليم أو الترسيم. كله واحد!