تيريز رافائيل
TT

أصداء فيروس «كورونا» بين جونسون وترمب

ألمَّت بالشعب البريطاني صدمة مروعة مع إعلان رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون عن إصابته المؤكدة بفيروس «كورونا» المستجد نفس الصدمة القوية التي لحقت بالشعب الأميركي حال علمه بإصابة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنفس الفيروس. وكان رئيس الوزراء البريطاني هو أول زعيم لدولة كبرى يدخل المستشفى للعلاج من الفيروس، تلك الخطوة التي وصفت في أول أمرها بالإجراء الروتيني قبل أن يتخذ المرض الذي أصاب السيد جونسون منعطفاً بالغ الخطورة.
ما من أحد يعرف على وجه اليقين كيف سوف تنتهي الأزمة الصحية لدى الرئيس الأميركي، كمثل حالة عدم اليقين التي شاعت أثناء إصابة السيد بوريس جونسون بالمرض نفسه من قبل. غير أن دخول الرئيس الأميركي إلى المستشفى كإجراء طبي احترازي لازم يشكل مصدراً من مصادر القلق العميق سيما مع اعتبار عمر السيد الرئيس ووزنه. ومن حسن الطالع، أن السيد بوريس جونسون قد تمكن بالفعل من العودة إلى عمله وإلى حياته الطبيعية بعد زوال أزمته الصحية التي استلزمت مكوثه في العناية المركزة لفترة من الزمن، تلك الفترة التي لم يكن أحد يعلم على نحو واضح من كان يقوم بإدارة البلاد وقتها. لكن بالنسبة إلى الولايات المتحدة - وعلى أدنى تقدير ممكن - فمن الواضح دستوريا من سوف يتولى شؤون إدارة البلاد في حالة فقدان السيد الرئيس للمقدرة على ذلك.
بيد أن أكبر حالات عدم اليقين الراهنة - وعلى نحو ما خبرناه مع تجربة السيد جونسون الأخيرة - تتمثل في الصورة التي سوف تتمخض عنها سياسات الولايات المتحدة إزاء التعامل مع أزمة الوباء الحالية، فضلاً عن السياسات الأوسع نطاقاً في الداخل والخارج. يستطيع رؤساء الدول ورؤساء الوزراء التغيير من سياسات واتجاهات الدول، ولكن ما الذي يمكن توقعه عندما تغير الأحداث والظروف من تلك الشخصيات المهمة المؤثرة؟
ما من شك في أن الانتصار السريع على الفيروس الفتاك من شأنه أن يرفع المعنويات عاليا ويبعث بروح قوية من الحماسة مع تأكيد على سرديات رباطة الجأش والصمود والصلابة - نفس التيمة التي لطالما ميزت منهج الرئيس دونالد ترمب إزاء فيروس «كورونا» المستجد منذ اندلاع الأزمة في أول أمرها. غير أن الصراع الجسدي طويل الأمد مع التأثيرات اللاحقة لفترة ما بعد الإصابة - من الدرجة التي عانى منها قبل السيد بوريس جونسون - ربما تسفر عن مزيج مختلف تماماً من سياسات الصحة العامة، وغيرها من السياسات الاقتصادية ذات الصلة. ومن شأن ذلك أيضا أن يسفر عن تغير واضح في أداء الرئيس الأميركي لمجريات منصبه - على افتراض تجاوزه للأزمة وعودته إلى البيت الأبيض - ثم النظرة العامة التي يتلقاها الشعب الأميركي عن زعيم البلاد.
من الخطأ البيّن القول إن إصابة السيد جونسون كانت الدافع الرئيسي الذي حفزه إلى اتخاذ فيروس «كورونا» المستجد على محمل الجدية. لقد نأى السيد جونسون بالفعل عن اعتماد مقاربة الحياد الكامل وعدم التدخل على النمط السويدي في تعامله مع أزمة الوباء سيما بعد نموذج «إمبريال كوليدج» (النموذج الذي تبين قصوره في وقت لاحق) الذي اقترح باحتمال وصول عدد الوفيات في المملكة المتحدة إلى أكثر من نصف مليون ضحية للفيروس الفتاك. فقبل 4 أيام من إعلان إيجابية اختبار السيد بوريس جونسون للإصابة بالفيروس كان قد اتخذ قرارا بالإغلاق الوطني العام في كلمة رصينة خاطب بها الأمة الإنجليزية فيما يمثل أول تحييد حقيقي عن أسلوبه الخطابي المعزز والحصيف. وقال في كلمته تلك إنه في غياب القيود العامة بالغة الصرامة فلن تتمكن الخدمات الصحية العامة في البلاد من المواصلة والاستمرار. وظن العديد من زملائه المحافظين أنه قد تطرق إلى ما هو أبعد من المعقول، وساورهم القلق العميق بشأن الخسائر الاقتصادية الكبيرة المتوقعة.
بيد أن الحالة الصحية المتدهورة للسيد بوريس جونسون قد قضت تماماً على حالة الجدال القائمة آنذاك. ومع الإعلان عن انتقاله إلى وحدة العناية المركزة في المستشفى، شاعت حالة من الهلع في عموم البلاد. وبدت شوارع المملكة المتحدة بأسرها خالية تماما من السكان، سيما مع احترام الشعب الإنجليزي لقرارات الإغلاق الحكومية والتضافر لحماية إمكانات الخدمات الصحية العامة. وحتى ألد خصومه السياسيين كانوا يرغبون في عودته سالما إلى مكتبه.
نحن لا نعلم على وجه اليقين مقدار ما ولج جسد الرئيس الأميركي من الحمل الفيروسي ولا مستوى قدراته الجسدية على تحمل ذلك. وعلى غرار بوريس جونسون في وقت إصابته، فإن الرئيس الأميركي يعتبر «سميناً» من الناحية الإكلينيكية البحتة، الأمر الذي يعد اعتلالا ًمضافاً يزيد من فرص تمكن الفيروس من جسده وبصورة تفوق خطورة حالة بوريس جونسون السابقة. ولقد قدم السيد جونسون عرضا بريطانيا رائعا للغاية من مواصلة العمل رغم ازدرائه الدائم للمرض، ذلك الحكم الذي كان من الممكن أن يزيد من سوء الفرص السانحة أمامه. لكن الرئيس ترمب قد أُدخل على نحو عاجل إلى المستشفى وخضع على الفور للعلاج بمزيج من العقاقير التجريبية بالأجسام المضادة من إنتاج شركة «ريجينرون» للتكنولوجيا الحيوية. وسوف يحصل على أفضل رعاية صحية متوافرة تماماً على غرار السيد بوريس جونسون من قبل.
ودار الكثير من الحديث حول الآثار التي خلفها الفيروس على السيد بوريس جونسون جسديا وعقليا. ونعلم أن العديد من المصابين بفيروس «كورونا» - حتى من دون الدخول إلى المستشفى لتلقي العلاج - يعانون من أعراض طويلة الأمد يمكن أن تبقى لعدة شهور بعد التعافي، وهي تتراوح من التعب إلى الأوجاع المتعددة أو عدم القدرة على التركيز. ولم يكن أداء السيد جونسون البرلماني قوياً أو مؤثراً بصورة خاصة، غير أن تصرفاته منذ عودته من تلك الأزمة الصحية بدت أكثر هدوءا، مع تراجع في إدراكه السياسي، وخطاباته العامة باتت أقل بأسا عن المعتاد.
بيد أن موقف السيد دونالد ترمب مغاير لتلك الصورة بالكلية، لكنه يخوض قتال الانتخابات الرئاسية المحتدم: تلك الشخصية التي تستند في الأساس على موقف الرجل القوي الصارم الذي هو أبعد ما يكون عن إظهار الضعف سواء انتهى به الأمر في وحدة العناية المركزة من عدمه.
وعليه، فمن المحال تفادي عقد المقارنة الكاريكاتورية ما بين شخصيتي السيد جونسون والسيد ترمب، حتى لما بعد قصات الشعر التي تميز كلا منهما عن الآخر. وكل منهما يملك شخصية أبعد ما تكون عن السهولة واللين. فلقد وصل كلاهما إلى أعتاب السلطة في بلادهما إثر ردود فعل شعبوية بالغة التعقيد، فضلاً عن سخط عام من أبناء الطبقة العاملة مع دعم واضح ومستمر من جانب تيار المحافظين التقليديين في كلا البلدين العريقين.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»