د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

أزمة ليبيا بين مد وجزر

الأزمة الليبية في انتظار صعود الدخان الأبيض دليل الاتفاق، وهي التي أصبحت بين مد وجزر ومبادرات وحوارات والإعلان عن تسويات قريبة، تكاد ترجم بالغيب أن الأزمة الليبية المعتقة القديمة الجديدة والمستعصية «ستنتهي» في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إنه الجعجعة ولكننا لا نرى طحناً، وإعلان عن تسويات وتفاهمات واتفاقات ثم يقابلها إعلان عن التنصل منها، خاصة فيما حدث في لقاء وفدي مجلس النواب ومجلس الدولة (المشكل من بقايا المؤتمر الوطني وطيف واحد هو جماعة الإخوان وأحباؤهم بعد إقصاء لكتلة 94 في مخالفة وخرق واضح لاتفاق الصخيرات)
الجميع اليوم يترقب الدخان الأبيض في نتائج تفاهمات بوزنيقة المغربية بين الأطراف الليبية، رغم الإعلان عن رفض نتائجها ثم العدول عن الرفض والإعلان عن قبولها، ولكن بخطابات فردية من مجلس الدولة ومجلس النواب وبصياغات مختلفة، شككت في حقيقة توصل الطرفين لتفاهمات حول نقاط واضحة، ففي حين يعلن وفد النواب أن الاتفاق على تقاسم المناصب السيادية ومكانها بين الأقاليم التاريخية لليبيا الثلاثة (برقه وطرابلس وفزان) نرى أنَّ مجلس الدولة ينكر على لسان رئيسه المشري هذه الصياغة، الأمر الذي يجعل من الصعب التصديق بأن جماعة الإخوان الذين يسيطرون على مجلس الدولة يرغبون في تحقيق تفاهم أو اتفاق حقيقي.
حتى اتفاق النفط الذي أبرمه الجيش مع عضو من المجلس الرئاسي هو أحمد معيتيق، تنكر له المشري وجماعته، بل منع السيد معيتيق من إعلان الاتفاق في مؤتمر صحافي رغم أن الاتفاق متوازن، ولذلك أعتقد أن الاتفاق على إعادة فتح الحقول والموانئ النفطية خطوة في الاتجاه الصحيح، وهو اتفاق مُرضٍ للجميع، يستند إلى توزيع عادل لإيرادات النفط بين الأقاليم الثلاثة، رغم محاولات تنظيم الإخوان الاستحواذ على عوائد النفط، ولهذا كان الرفض الجنوني لاتفاق الجيش، حيث إن الاتفاق سيحرم الميليشيات من التمويل، بل ويحرم تركيا من أي امتيازات التي ما هي إلا نهب مشرعن للنفط الليبي من قبل حكومة الوفاق غير الشرعية.
أزمة ليبيا أزمة أمنية وفوضى السلاح، وليست أزمة شخوص أو تسمية مناصب، وبالتالي أي حوارات حول تسميات شخوص والاختلاف على الأسماء، من دون مناقشة صلب الأزمة الأمني، لا يخرج عن محاولة كسب الوقت بتشكيل مجلس رئاسي وحكومة لا تختلف عن سابقتها تنال القبول من الدول المتدخلة في الشأن الليبي هو عبث جديد بالأزمة الليبية وإطالة عمرها، لأنها ستكون حكومة عملاء وبيادق لمن جاء بهم.
الاتفاقات المبرمة بين تركيا إردوغان، وحكومة الوفاق باتت في «مهب الريح»، عقب إعلان السراج الاستعداد لتقديم استقالة في أكتوبر المقبل، خاصة أنها اتفاقات غير قانونية، وبمخالفة صريحة حتى لاتفاق الصخيرات نفسه الذي تتمسك به تركيا شرعية للسراج ومجلسه، رغم عدم تضمين الاتفاق للإعلان الدستوري الليبي، مما جعل كل ما يصدر عن حكومة السراج هو صادر من غير ذي صفة أمام القانون الليبي.
ووفق صحيفة «جمهورييت»، قال الجنرال المتقاعد أحمد يفوز: التطورات الجارية في ليبيا حالياً تقضّ مضاجع السلطات التركية إلى أقصى حد، منذ الإعلان عن قرب استقالة السراج.
محاولة تثبيت وقف إطلاق النار في وسط ليبيا وتحديداً في مدينة سرت أمر جيد، ولكن أي تسوية سياسية تحت شعار «سرت منزوعة السلاح» يعتبر بمثابة المطالبة بانسحاب مجاني للجيش من سرت والجفرة من دون الحديث عن إخراج المرتزقة وتفكيك الميليشيات وجمع السلاح، في اعتقادي تعتبر مؤامرات يشارك فيها المجتمع الدولي بالتعاون مع الطامعين في المال والبقاء في السلطة.
فالأزمة الليبية لا تحل إلا بتفكيك الميليشيات، وجمع السلاح واحتكاره لدى الدولة، وإخراج المرتزقة الذين جلبهم إردوغان لدعم جماعة الإخوان، ولا بد من معالجة ملف الهجرة، بدل رمي الأخطاء على ليبيا، وهي دولة عبور وليست منتجة للهجرة، والتوقف عن استخدام ليبيا معسكراً لتفريخ الإرهابيين للعالم، وغير ذلك هو إطالة لعمر الأزمة وتدوير للنفايات السياسية، وإلا لن نشهد تصاعد الدخان الأبيض.