د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

سرعة التخلص من الكفاءات

أسرع طريقة للتخلص من الكفاءات أن تولي عليهم شرار الناس، أو أسوأهم أداء وسمعة. عندما يتبوأ الأسوأ المنصب يتكفل تلقائياً بتعيين من هم على شاكلته، فتبدأ حفلة تضييق الخناق على الكفاءات ممن لا يطيقون العيش في «مستنقعات آسنة».
الكفاءة بطبيعتها، تألف أجواء تقبل النقد، والتحديات، والتعاون، والتنافس الشريف؛ ذلك أن المخزون الوافر للفرد الكفوء يعينه على مجابهة التحديات ولا يشعره بأن من حوله يشكلون أخطاراً محدقة بالنسبة له. والرجل الكفوء يرحب بمن هو أقوى منه لأنه يرى فيه فرصة لخوض غمار منافسة جديدة. كما أنه يوقن بأن الكفاح المستمر وتطوير المهارات والخبرات هي استثمار يصقل قدراته. فخيبات الأمل لا تثنيه عن المضي قدماً في طريق التألق. ولذا لا تأخذ الكفاءة طريقاً مختصراً short cut أو أقل وعورة وتحدياً عكس المتراخين الذين يريدون مناصب عليا بأقل جهد ممكن.
ومن الطرق السريعة نحو تطفيش الكفاءات، منح المكافآت لمن لا يستحقها، وتجاهل أفكارهم النيرة، ومعاملة الكفاءات كخصوم لا كحلفاء.
ومن قواعد العمل القيادي في التغيير، حسن اختيار رؤساء الأقسام، ومنحهم الصلاحيات لاختيار أفضل العناصر المحيطة بهم. هكذا تتغير تدريجياً بيئة العمل وثقافته. الأمر يتطلب وقتاً لكنه في النهاية يثمر أجواءً جديدة محفزة على العمل الجاد؛ ذلك أن العمل الإداري مثل فرق كرة القدم؛ كلما رفعت مستوى العاملين فيه، وآلية تقييمهم وتقديرهم مادياً ومعنوياً، يرتفع تلقائياً الأداء فيحاول المتراخي اللحاق بركب المتقدمين، حتى تلفظه بيئة العمل النشطة.
كما أن إصابة الكفاءات بخيبة أمل طاردة ممكنة عبر تقليص صلاحيات مهمة بالنسبة إليهم، فيصبح أحدهم مثل عدّاء محترف سلبته فردة حذائه. ولهذا فإن من يصل إلى خط النهاية بجدارة هو من وُفِرَت له بيئة العمل كل سبل التألق.
ومن المهم الإشارة إلى أن البعض يظن واهماً أن كل كفاءة تستحق منصباً قيادياً، إذ إن هذا يعد من الأخطاء الفادحة. فبعض الناس يمتاز بقدرات مذهلة على التحليل أو الاستنباط أو يشار إليه بالبنان في تخصصه، لكنه في الواقع لا يستطيع أن يتخذ قراراً جوهرياً يتعلق بمصائر الناس أو أهداف المؤسسة. يخاف، يتردد، يشك، أو يلقي بالمسؤولية على غيره، ناسياً أو متناسياً أن العمود الفقري للقيادي هو المقدرة على «تحمل المسؤولية» و«التأثير» فيمن حوله. فتخيل مشاعر الكفاءات من حوله ممن يشاهدون هذا التخبط يجعلهم يراوحون في أماكنهم، ليس نقصاً في الكفاءات وإنما قصوراً في قدرات من يقودهم.
نستطيع القول إن خريطة الطريقة للتخلص من الكفاءات سهلة للغاية، ولذلك فهي أول ما يُقْدِم عليه أسوأ المسؤولين فور تبوؤهم لمناصبهم القيادية، فهم يرون في الكفاءة مصدر خطر محتملاً وليس قيمة مضافة.