زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الرجل الصارخ... قتل أباه

تحدثنا من قبل عن وجود مومياوات في المتحف المصري لم يعرف أحد سرها، إحداها تخص رجلاً عرف باسم مومياء الرجل الصارخ أو كما يطلق عليه اسم «Unknown Man E»، والأخرى تخص المرأة الصارخة. وقد استطعنا أن نحل لغز الرجل الصارخ.
أما قصة حل اللغز فتعود إلى دراسة البردية التي تعرف باسم بردية مؤامرة الحريم، وهذه البردية موجودة حالياً في المتحف المصري بتورينو، وتحكي لنا أن الملك رمسيس الثالث قام بعمل وصية بأن يتولى ابنه الملك رمسيس الرابع الحكم بعد موته، وقد أغاظ ذلك زوجته الثانوية الملكة «تيا» لأنها كانت تود أن يتولى الحكم ابنها بنتاؤر. وكان الملك رمسيس الثالث كبيراً في السن ويشرب الخمر ويعيش حياة رفاهية بين حريم القصر، وحدثت اضطرابات كثيرة في عهده لذلك استغلت الزوجة تيا هذا الوضع وقررت أن تخطط مؤامرة لقتله.
وبالفعل اتفقت مع كثير من قادة الجيش وحراس القصر وبعض الحريم وذلك لقتل الملك. وفي البردية إشارة إلى كشف المؤامرة وأن كل المتآمرين قد عرضوا للمحاكمة، ولكن اتضح رشوة القضاة ولذلك تم تغييرهم، وصدرت عدة أحكام، منها أن يقوم بنتاؤر بشنق نفسه. وصدر كثير من الأحكام ضد الحريم وقوات الجيش، ولا نعرف ماذا حدث للملكة. أما الشيء الغريب فهو عدم وجود أي إشارة في البردية لموت الملك.
وقد بدأت في دراسة البردية، وقلت لنفسي كيف ينجو ملك بالغ في السن من هذه المؤامرة، وفي الوقت نفسه لا بد أن نعرف أن المصريين القدماء لا يشيرون إطلاقاً إلى موت أو قتل الملك، بل يقولون في بعض الأحيان إن روحه صعدت إلى السماء. لذلك فقد أحضرت مومياء الملك رمسيس الثالث ووضعتها تحت الأشعة المقطعية، وقامت الدكتورة سحر سليم، أستاذة الأشعة بقصر العيني، بدراسة نتائج الأشعة، واتضح لنا أن هناك شخصاً جاء من وراء الملك وذبحه بسكين وقطع رقبته، وأن هناك شخصاً جاء معه بلطة وكسر قدميه.
وبعد ذلك، قمنا بدراسة مومياء الرجل الصارخ، وعن طريق دراسة الحمض النووي (DNA) اتضح لنا أن هذه المومياء هي مومياء بنتاؤر الذي قتل أباه، وتوجد حول رقبته أثار حبال، وهذا يشير إلى أنه شنق نفسه، ولذلك لم يتم تحنيطه، بل تم لفه بلفائف جلد الماعز، وهذا دليل على دخول النار لأنه قتل أباه، لذلك تم عقابه وحرمانه من النعيم في العالم الآخر.
قصة تظهر لنا حقيقة مهمة جداً، وهي أن الجريمة لا يمكن أن تختفي، تأتي دائماً معرفة السر، ولو بعد 3 آلاف سنة!