د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«لون الغد» بعيون المثقفين

صدر اليوم (الثلاثاء) كتاب يستحق أن يقرأ. ولحسن الحظ، فإنني قد قرأت مخطوطته قبل أن تأخذ طريقها إلى هدير المطابع. هذا الكتاب للروائي الكويتي طالب الرفاعي، هو الأول من نوعه، إذ يحاول من خلاله استقراء رأي 88 مثقفاً عربياً في المشهد العربي، ما بعد حقبة فيروس كورونا الذي شلّ الكرة الأرضية.
قرأ مخطوطته أيضاً «قبل النشر» المفكر والأديب العالمي أمين معلوف، فجادت قريحته على صدر الغلاف الخلفي بما يلي:
«من يقرأ التوقّعات والتأمّلات التي جمعها ونسّقها الأستاذ طالب الرفاعي في (لون الغد)، تتّضح أمامه صورة عالمنا، كما ظهر فجأة تحت مجهر الجائحة. عالم لم يعد يثق بالوعود، ولا بالعقائد، ولا بالقادة. عالم قويّه هزيل، وعظيمه ضئيل، وثوابته زائفة. عالم عليل تائه، يبحث عن بداية جديدة تغيّر المسار، وتصلح ما أفسده الماضي، وتعيد العدّادات اللعينة كافة إلى الصفر. أليْس أملنا جميعاً أن تكون وقفة (كورونا) مقدّمة لانطلاق عالمنا، أخيراً، نحو غدٍ مختلف؟»
كتاب «لون الغد» قسّم رؤية المثقف العربي إلى المتشائمين الكثر، وعددهم 24 حيث كانوا أقل من المتفائلين (19). وهي طبيعة المنطقة التي يخيم عليها الشعور بالإحباط عندما تشاهد الأمم النامية تتحرك بوتيرة أسرع منها. غير أن من راوحت آراؤهم بين الحالتين هم من أسماهم المؤلف «بالمتشائلين» وهم أكبر فئة بلغت 45 شخصاً. وكنت أرى أن لدى هذه الفئة «الوسط» فضلاً عن المتفائلين رؤية لبصيص أمل في مستقبل مختلف نوعاً ما.
وشخصياً، أميل نحو المتفائلين بمستقبل أفضل «قليلاً» حيث إن دروس «كورونا» بدأت في الواقع في تغيير قوانين وسياسات عربية، ورفعت الوعي الصحي واستثماره. وقد اختبرت الحكومات قدراتها على مواجهة ما يتوقع أن يكون الحرب المقبلة (حرب الفيروسات). وعادت إلى الواجهة أهمية النظر في التشريعات البالية الأخرى، والمؤسسات المترهلة، وضرورة استمرار التعليم والعمل، حتى إن كان عن بعد. وهو ما سيرفع منسوب الاستثمارات التكنولوجية بصورة غير مسبوقة في كل القارات. ورأينا لأول مرة رأي العين، ما درسناه في مناهج الاقتصاد من أن توقف تدفق الأموال في شريان الاقتصاد ولو لبضعة أسابيع يمكن أن يشل حراك البلاد والعباد، ويخنق مؤسساته الخاصة والعامة، وقد حدث. وتعلمت الشركات الصغيرة قبل الكبيرة أن تضع مدخرات تضمن «عيشها» لأكثر من 6 أشهر حتى تستطيع مواجهة التحديات، وكذلك حال الأفراد مع التوفير والاستعداد للمجهول.
وقد بدأت كيانات عملاقة بالتنازل عن كبريائها في سبيل الاندماج مع كيانات كانت حتى عهد قريب تعتبرها نداً لها، وذلك لضمان استمراريتها. قبل أيام قال لي رئيس مؤسسة عملاقة في «الشرق الأوسط»: «كل أصولنا وشركاتنا للبيع، وهي تبلغ مليارات الدولارات. والسبب أن (كورونا) التي لا ترى بالعين المجردة قد أصابت في مقتل. هذا تغير جذري في مستقبلنا. ولذلك فإن محاولة البحث عن موضع قدم في الإنترنت (سوق المستقبل) أمر لا مفر منه للصغار قبل الكبار. إذ تشير التوقعات إلى أن الصين وحدها، سوف تتخطى حجم عملياتها السوق الأوروبية والأميركية مجتمعتين بحلول عام 2023».
نحن أمام تغير جذري في العالم. ويمكن أن نكون نحن العربَ في حال أفضل إن استفادت الحكومات والشركات من هذه الأزمة بصورة ذكية، تدفعنا نحن الازدهار والتقدم، لا أن تعود «حليمة لعادتها القديمة».