طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

أحياناً... نمرة «2» يكسب

كثيراً ما نعتبر أن صاحب ضربة البداية والسبق هو فقط من سيتوقف عنده التاريخ، رغم أن التجربة العملية كثيراً ما تكذب هذا الافتراض النظري. في جلسة صراحة جمعت بين الموسيقار محمد عبد الوهاب والشاعر كامل الشناوي، سأله لماذا أنت رجل التجربة الثانية؟ وأضاف، لا تبدأ بالتلحين لصوت جديد، ولكنك تنتظر ما الذي يسفر عنه لقاؤه مع آخرين، وضرب مثلاً بأصوات عبد الحليم ونجاة وفايزة ووردة وشادية وغيرهم، انتظر أولاً الأغاني التي يسفر عنها تعاونهم مع الملحنين محمد الموجي وكمال الطويل ومنير مراد، ثم لحن هو، أكثر من ذلك، تزوج عبد الوهاب ثلاث مرات، وكان هو الزوج الثاني؟ جاءت إجابة عبد الوهاب قاطعة، هذا يحسب لي ودليل على الجرأة وليس الخوف، فأنا استمعت لعبد الحليم مع آخرين، واكتشفت أين هي الومضة السحرية، المغايرة، وقدمت له أغاني في اتجاه آخر مثل «توبة» و«عشانك يا قمر» و«أنا لك على طول»، أما كوني الرجل الثاني في حياتي الزوجية، فذلك دليل شجاعة، ويجب أن أكون قادراً على إثبات جدارتي، هناك دائماً مقارنة مع الزوج السابق.
في الحياة الفنية، من يبدأ الخطوة الأولى، ليس هو بالضرورة الذي يحقق النجاح الجماهيري، المخرج محمد كريم مثلاً قدم فاتن حمامة وهي طفلة في «يوم سعيد»، وهو أيضاً الذي دفع بليلى مراد بطلة في أول أفلامها «يحيا الحب»، بينما عملياً حققت فاتن حمامة النجاح الطاغي مع مخرجين آخرين مثل هنري بركات وعز الدين ذو الفقار وحسن الإمام، وتألقت ليلى مراد أكثر مع المخرج أنور وجدي.
الموسيقار حليم الرومي هو الذي دشن صوت فيروز بأغنية «تركت قلبي وطاوعت حبك»، وهو الذي أقنع الأخوين رحباني «عاصي ومنصور» بالتلحين لها فصارت معهما أيقونة، وأكمل معها المشوار زياد رحباني وتوارى الرومي مع الزمن.
بعض الأغاني تم تلحينها مرتين نجحت فقط في الثانية، مثلاً قصيدة «سمراء يا حلم الطفولة» كتبها الأمير عبد الله الفيصل ولحنها حسين جنيد وغناها كارم محمود، وأعاد كمال الطويل تلحينها ورددها عبد الحليم حافظ ولا يتذكرها الناس حالياً إلا في نسختها «الحليمية»، الموسيقار رياض السنباطي لحن رباعيات عمر الخيام، لنجاة، إلا أنه بعد ذلك أعاد تلحينها لأم كلثوم فصارت بصوت «الست» واحدة من قصائد القمة.
لا يعني ذلك أن معادلة «نمرة 2 يكسب» بالضرورة مضمونة النجاح، لديكم مثلاً فيلم «اللص والكلاب» أخرجه مطلع الستينات كمال الشيخ بطولة شكري سرحان وكمال الشناوي وشادية، أعاده بعد نحو 30 عاماً المخرج أشرف فهمي في «ليل وخونة» بطولة نور الشريف ومحمود ياسين، وسقط الفيلم من الذاكرة، المخرج صلاح أبو سيف قال لي إنه بعد نحو 30 عاماً من فيلمه «لك يوم يا ظالم» بطولة فاتن حمامة ومحسن سرحان، قرر أن يعيده باسم «المجرم» بطولة شمس البارودي وحسن يوسف، رافعاً شعار «بيدي لا بيد عمرو» لأنه علم أن مخرجاً آخر سوف يقدمه، وندم أبو سيف بعدها، وتمنى لو أنه قد ترك الفيلم لـ«عمرو»!!.
عبد الحليم حافظ أعاد غناء أشهر أغاني محمد قنديل «يا رايحين الغورية»، المقارنة لم تكن لصالحه، وطوال حياة عبد الحليم، كان يمنع تداول الأغنية، وسقط هذه المرة نمرة (2)!.