زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

من أين قُطعت المسلات المصرية؟

عندما توليت مسؤولية العمل أميناً للمجلس الأعلى للآثار، بدأت لأول مرة أنفّذ برنامجاً أُطلق عليه اسم «Site Management»، بمعنى إدارة المواقع الأثرية. وأعتقد أن هذه الفترة يمكن أن يطلق عليها «العصر الذهبي للآثار المصرية»، حيث كان يتولى مسؤولية وزارة الثقافة فاروق حسني، ورغم أنه لم يكن أثرياً ولكنه كان عاشقاً للآثار، لذلك فقد وقف إلى جانبنا لكي ننفّذ أهم مشروعات للحفاظ على المواقع الأثرية، ولذلك فقد بدأت أدرس هذا البرنامج الجديد وسافرت للاشتراك في مؤتمر نظّمه معهد «بول غيتي»، وكان المؤتمر داخل مركب، وسافرنا من تونس إلى روما ومررنا بتركيا والعديد من المواقع الأثرية.
وكان من أهم المشروعات التي تمت هو العمل في أحد محاجر الجرانيت بأسوان، ومن المعروف أن هناك أكثر من خمسة محاجر للجرانيت في منطقة الشلال الأول، ولدينا العديد من اللوحات الموجودة بالموقع والتي تسجل قَطْع اللوحات من هذا المحجر. أما أهم مواقع الجرانيت فكان ذلك الموقع الذي توجد فيه مسلة ضخمة حدث خطأ في أثناء قطعها، لذلك فقد تُركت في مكانها، ويعتقد البعض أن هذه المسلة تعود إلى عصر الملكة حتشبسوت. وكان السياح يحضرون لرؤية هذه المسلة التي أُطلق عليها اسم «المسلة الناقصة»، ويسيرون على المسلة ويلتقطوا الصور، وقد بدأنا مشروعاً مهماً جداً لتطوير المسلة اشترك معنا فيه الدكتور المهندس طارق والي والأثري عادل الكيلاني، واستغرق هذا المشروع نحو 6 سنوات وأزلنا من الموقع أكثر من 50 ألف متر مكعب من الأحجار والرمال. وقد تم الكشف عن العديد من الاكتشافات التي أظهرت لنا كيف تم قطع المسلات الضخمة، وقد شاهدنا العمال وتركوا لنا أسماءهم مكتوبة بالإضافة إلى صور الإله بس، إله المرح والسرور، الذي كان يعبده العمال، وعلامات عديدة تركها المهندسون للعمال لكي يعرفوا أماكن قطع المسلات، بالإضافة إلى طرق قطْع المسلات عن طريق حفر ترنشات يضعون داخلها أخشاباً وتُرش بالماء حتى يمكن قطع الجرانيت بسهولة. وشاهدنا أيضاً مناظر جميلة تركها العمال، منها مناظر رسم للمسلات، بالإضافة إلى مناظر لأسماك الدولفين، ومن المعروف أن هذا النوع من الأسماك لم يكن موجوداً في نهر النيل، ولكن في البحر المتوسط والأحمر، وهذا يشير إلى وجود عمال من هذه المناطق اشتركوا في قطع المسلات. وعثرنا أيضاً على نص من عصر الملك تحتمس الثالث يشير فيه إلى أنه أصدر أوامره إلى مدير كل أعماله لكي يقوم بقطع مسلة لكي تقام داخل معبد والده الإله آمون - رع داخل معبد الكرنك.
هذا وقد تم توظيف الموقع للسياحة عن طريق عمل مدخل للمنطقة ومركز زوار يُعرض فيه فيلم عن المسلات، وداخل المركز يمكن الحصول على المعلومات عن الموقع، وبعد ذلك تم عمل مسار داخل المنطقة الأثرية، وفي نهاية الزيارة يجد السائح أمامه كافيتريا ودورات مياه وبيوت بيع الهدايا. هذا هو ما يطلق عليه إدارة المواقع الأثرية.