حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

محنة «كوفيدـ19» والمنحة القادمة

ما «الشكل» الاقتصادي للعالم الذي سيتكون نتاج تفشي جائحة «كوفيد19» وآثارها وتبعاتها على الدول؟ سؤال مهم طرحه، ومن الواضح أن ارتفاع المديونية في جميع الوحدات الاقتصادية بالمجتمعات، سيكون هو البيئة التي ستواجه العالم فيما بعد أزمة جائحة «كوفيد19»، وذلك بدءاً من الأفراد والأسرة؛ وصولاً للشركات والمؤسسات والدول، وأيضاً ستختفي وتتبخر المدخرات بنسبة كبيرة من الشركات والمؤسسات، والأسرة، وسينهار نمط الاستهلاك نتيجة انحسار النشاط الاقتصادي، واستمرار تفشي البطالة بشكل مقلق، إضافة إلى تغير الإطار السياسي القائم في العالم، وتراجع شديد للعولمة والقوانين التي بنيت عليها، وزيادة في نسب الفقر بشكل كبير ومؤثر، وتهديد لحركة التجارة العالمية التقليدية، وذلك نتيجة للحرب التجارية العنيفة القائمة بين الولايات المتحدة والصين، والتي لا يبدو أنها ستتوقف في المدى القريب على أقل تقدير.
كان صندوق النقد الدولي قد اقترح خلال تلك الأزمة خلق «تريليون حق سحب خاص»، وهي عبارة عن عملة مختلقة داخل صندوق النقد الدولي قيمتها تتحدد بتوليفة من 5 عملات، وهدفها خلق سيولة في العالم لتسهيل الأعمال وتمويلها، ويتم توزيع تلك الأموال على الدول النامية، حسب حصة كل دولة في صندوق النقد الدولي، ولكن لم يتم اعتماد الاقتراح بسبب رفض أميركا إعطاء الصين نسبتها من تلك العملة المقترحة.
إن الحرب بين الصين والولايات المتحدة ليست حرباً تجارية تقليدية، فهي حرب من الولايات المتحدة على الصين، وذلك لأن الولايات المتحدة بدأت فقد الصدارة (أو الخوف من ذلك) في كثير من المجالات، كالذكاء الصناعي وتكنولوجيا الاتصالات، وذلك نتيجة لتقدم الصين عن بقية الشركات والدول.
على الدول النامية أن تبدأ في تأسيس سياستها الاقتصادية الداخلية والخارجية، لكي تكون قادرة على تحمل تلك الأزمات المتوقعة، وتحمل الصدمات، وتكوين المناعة المطلوبة ضد التدفقات النقدية الخاطئة المتوقعة.
للخروج من تلك الأزمة يجب البدء في زيادة الإنفاق العام بأكبر قدر ممكن لتحفيز الحراك الاقتصادي، وتخفيض تكلفة التمويل وأسعار الفائدة بأقصى قدر ممكن، وزيادة القدرة التنافسية لدى الدول، وإعادة تأهيل العمالة للواقع الجديد الذي تكون اليوم، وتطوير الأجهزة البيروقراطية، مع الاعتماد على التقنية الحديثة والعمل على ألا تساهم العقلية المسيطرة في تحقيق بيروقراطية إلكترونية، وتطوير البنية التحتية، لزيادة كفاءة الأجهزة الإنتاجية، وزيادة قدرتها على التنافس.
تلك الحلول لها أعراض جانبية يجب وضعها في عين الاعتبار؛ الزيادة في الإنفاق ستؤدي إلى زيادة الديْن العام، علماً بأن الديْن الداخلي أقل خطورة من الديْن الخارجي، وبالتالي يمكن التعامل معه، وفي الدول النامية تبقى القدرة على النمو أعلى بكثير من الدول المتقدمة، وهي فرصة يجب استغلالها فوراً.
مديونية الدولة تختلف تماماً عن مديونية الفرد أو الشركة، فالدولة قادرة على توليد الموارد اللازمة لتسديد تلك المديونيات الداخلية والتعامل المرن معها. والفترة الحالية فترة ركود، نتيجة قلة الطلب، ومن الممكن تحمل جزء من الضغوط التضخمية الناتجة عن زيادة الدين، وتجب زيادة القدرة التنافسية للدول من خلال وضع برامج تأهيل العمالة، للتقليل من نسبة البطالة المزمنة، كما أن تخفيض سعر الفائدة سيؤدي إلى تحريك سعر الصرف، وبالتالي زيادة التنافسية في قطاع التصدير والإنتاج.
هذه الأزمة محنة عظيمة، ولكن مع كل محنة توجد منحة لو تم استغلالها جيداً وإعادة هيكلة الاقتصاد للتعامل معها بأسلوب عملي وعقلاني.