تينا روزنبرغ
TT

القضاء على سوء التغذية في أفريقيا يصطدم بالوباء

عندما شرعت في كتابة هذا المقال، قبل شيوع وباء كورونا، كانت فكرته تتعلق بمحاولة الوصول إلى حل مبتكر لمشكلة كبيرة يصعب تصورها على حقيقتها: في العديد من البلدان الفقيرة، يحصل أغلب السكان على الحبوب من المطاحن المحلية، بيد أن هذه المطاحن لا تعمل على تعزيز الدقيق الذي تقدمه للجمهور بالمغذيات الأساسية التي يحتاج الأطفال وغيرهم إليها.
وهذا الحل المتصور، وهو حل مهم ومفعم بالآمال الواعدة، لا يزال جزءاً من قصة هذا المقال. ولكنه سرعان ما تحول إلى رواية من روايات وباء كورونا المستجد وأساليب القتل المتنوعة التي يفرضها علينا، بما في ذلك حالة التعقيد المريعة التي تتسم بها قرارات إعادة فتح اقتصادات الدول التي بلغ العمال فيها درجة من اليأس الشديد للحصول على دخل مناسب يعتمدون عليه في معيشتهم.
ولا تتعلق قضية السماح للمواطنين بالعودة إلى أعمالهم بمفهوم الحريات الفردية أبدا. إذ إن حجج الصحة العامة تتمحور حول تسريع الانتعاش والتعافي الاقتصادي بهدف القضاء على الفقر الذي يسبب الأمراض ويؤدي إلى الوفاة. ويمكننا القول إن الطفولة التي تعاني من الفقر المدقع قد تعني حياة كاملة من المعاناة والآلام.
يمكن للبلدان الغنية إنشاء شبكة قوية من الأمان الاجتماعي لمواطنيها. وتوفر فرنسا وألمانيا، على سبيل المثال، بدلات لرواتب الموظفين المفقودة. وهي من السياسات المكلفة للغاية، ولكنها ليست باهظة مثل مواجهة الركود الاقتصادي. وربما يكون هذا هو الجواب في الولايات المتحدة إذا ما تخيرت الحكومة اعتماد هذه السياسة.
أما خارج البلدان الثرية، ينبغي عليك وعلى أسرتك الاضطلاع بدور إنشاء شبكة الأمان الخاصة بكم، الأمر الذي يعني ضرورة الذهاب إلى العمل. وكتب الزميلان أليكس دي وال وبول ريتشارد من هيئة الإذاعة البريطانية يقولان: «سوف يفضل الفقراء احتمال الإصابة بالعدوى على يقين الجوع».
وفيما يلي القصة المفعمة بالآمال: تعزز كل دولة من الدول الغنية المواد الغذائية المقدمة للمواطنين. وتفتقر وجباتنا الغذائية اليومية إلى بعض العناصر الغذائية الضرورية، لذلك تطالب الحكومات من الشركات المصنعة إضافة تلك المغذيات إلى بعض الأطعمة. (اللبن لا يحتوي بمفرده على فيتامين (د) ما لم يتم تعزيزه. وحبوب الإفطار لا تحتوي بمفردها على فيتامين ج من دون مساعدة خارجية).
وإذا ما احتاج المواطنون الأميركيون إلى الأطعمة المعززة، فإن هناك الكثير من الناس حول العالم ممن يحتاجون إليها وإلى نظم غذائية متنوعة وبأكثر من ذلك بكثير. وأغلب سكان تنزانيا يتناولون طحين دقيق الذرة، أو «أوغالي» كما يُطلقون عليه في بلادهم، بصفة يومية. ويتناول الكثير من المواطنين القليل من المواد الأساسية الأخرى. وطحين الأوغالي يسبب الشعور بالشبع لديهم، غير أنه مادة غذائية غير «مُغذية».
يعاني ثُلث الأطفال في تنزانيا من نقص واضح في الحديد وفيتامين (أ) الذي يمنع العمى. كما يفتقر الكثيرون هناك إلى الزنك، وفيتامين (ب 12)، واليود، الأمر الذي يسبب تلفاً في أجهزة المناعة وتأخر التطور المعرفي. كما تفتقر النساء إلى توافر حمض الفوليك، وهو النقص الذي يمكن أن يسفر عن عيوب في الأنبوب العصبي مثل شلل الحبل الشوكي لدى الأطفال حديثي الولادة. ويبلغ ثلثا الأطفال فقط في تنزانيا حد النمو والارتفاع الطبيعي للجسد. ويلقى حوالي 130 طفلاً حتفهم بصورة يومية هناك بسبب سوء التغذية، فضلاً عن أعداد لا تُحصى من المصابين بأضرار صحية تلازمهم مدى الحياة.
ويعتبر تعزيز الطعام من أرخص الطرق إلى تحسين الصحة بتكلفة لا تتجاوز 25 سنتاً للفرد الواحد في السنة. كما أن التغذية السليمة تؤدي إلى زيادة الإنتاجية. وكل دولار تنفقه حكومة من الحكومات على تعزيز المواد الغذائية الأساسية يرجع في صورة 30 دولاراً من الفوائد الاقتصادية العامة.
منذ عام 2011 تطلب حكومة تنزانيا من جميع مصانع الذرة في البلاد إضافة خليط من مسحوق الحديد، والزنك، وفيتامين (ب 12)، وحمض الفوليك، إلى الدقيق الذي تقوم بصناعته للاستهلاك المحلي.
ومع ذلك، ووفقا للنظام العالمي لتبادل بيانات تعزيز المواد الغذائية، فإن كميات دقيق الذرة المعززة تقترب من الحد الصفري في تنزانيا. ولا بد من استيراد مزيج من المعدات والمواد الغذائية الأخرى، وتعرف المطاحن المحلية في البلاد أنه ليست هناك عواقب قانونية تعود عليها من عدم تعزيز المواد الغذائية الأساسية التي تنتجها.
ومن بين المشاكل المطروحة أن الحكومة التنزانية لديها 55 مواطناً فقط يعملون في رقابة كافة المسائل ذات الصلة بالغذاء والدواء على الصعيد الوطني. ويقول بينجاني مكامبولا، رئيس البرنامج العالمي لتعزيز المواد الغذائية لدى التحالف العالمي لتحسين التغذية ومقره في جنيف: «إن منح الأولوية لتعزيز المواد الغذائية يمثل تحدياً كبيراً عندما تكون الفوائد الناتجة عنه غير ملموسة. وإذا ما تناول شخص ما الطعام غير المعزز بالمعادن والفيتامينات، فهو ما زال يأكل طعاماً عادياً، وهنا تكمن المشكلة غير المرئية».
والأوضاع هي أسوأ من ذلك بكثير في المطاحن الأهلية الشعبية التي تنتج نسبة 87 في المائة من كافة دقيق الذرة المنتج في البلاد.
يقول فيليبو كولوا، الرئيس التنفيذي للعمليات لدى مطحنة «لينا ميلز» في مدينة دار السلام، وهي من المطاحن المتوسطة الحجم بالمقاييس المعروفة في تنزانيا: «كانت أموالاً زائدة عن الحد. ويدرك العديد من العملاء في المدن فوائد الأغذية المعززة، وأحياناً ما يتصل بنا العملاء للاستفسار عما إذا كان الدقيق لدينا معززاً من عدمه». بيد أن تنزانيا دولة ريفية في المقام الأول، وليست لدى الناس العاديين هناك أي فكرة عما يعنيه مصطلح الأغذية المعززة، بل إنهم يهتمون بالأسعار فقط.
بحلول نهاية عام 2018، شرع فيليبو كولوا في العمل مع منظمة «سانكو» غير الحكومية، التي بدأت عملها كجزء من مشروع قومي يستهدف الأطفال الأصحاء في البلاد، وهو مشروع ينشر الوعي ويشجع على تناول الأغذية المعززة على نطاق واسع. وهناك فليكس بروكس تشيرتش، وهو مواطن أميركي يعيش في مدينة دار السلام وكان من مؤسسي منظمة «سانكو» (رفقة ديف دوسون المحاضر في جامعة ستانفورد، والمعلق أيضاً في شبكة فوكس نيوز الإخبارية والمرشح الجمهوري الأسبق عن ولاية وايومينغ لمجلس الشيوخ الأميركي). وقال بروكس تشيرتش: «بعد مرور 10 سنوات من العمل، أدركنا أننا تركنا أولئك الذين هم أكثر عرضة للمخاطر». ثم في عام 2013، قاموا بإنشاء منظمة «سانكو» بهدف العمل على تعزيز الأغذية الأساسية على نطاق محدود.
ولقد حاول العديد من المنظمات غير الحكومية الأخرى مساعدة المطاحن الأهلية الصغيرة على تعزيز الدقيق. ولقد تضمن ذلك جمع الكميات الصحيحة من العناصر الغذائية المطلوبة وإضافتها إلى الدقيق بالعمل اليدوي. ولقد توقف العمل في ذلك بعد فترة من الوقت بعد أن اكتسبت التعزيزات الغذائية المحدودة النطاق سمعة محلية بأنها مضيعة للوقت والمال.

* خدمة «نيويورك تايمز»