هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

ذهب فنزويلا لن ينقذ إيران!

ظنّت إيران وحلفاؤها أنهم انتصروا عسكرياً على الولايات المتحدة بوصول شاحنة النفط الإيراني إلى فنزويلا. وحسب الأميركيين، فإن الإيرانيين يريدون الاستفزاز للوصول إلى هكذا نتيجة، لكن إدارة الرئيس دونالد ترمب لا وقت لديها للرد عسكرياً. أهم حدث في تاريخ الثورة الإيرانية هو الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، فهذه ستقرر مستقبل الثورة الإيرانية، والسبب؛ إذا أعيد انتخاب ترمب لفترة ثانية، فلن يعرف الإيرانيون ماذا يفعلون، خصوصاً أن المقاطعة الأميركية فعالة جداً، إضافة إلى هبوط أسعار النفط، وأيضاً تعمل إسرائيل على كسر محاولة إيران السيطرة على الشرق الأوسط. إيران في وضع سيئ. هي تحاول اللعب ضد هذا الوضع بمضاعفة التحدي باستفزازات. وكان أضخمها الهجوم على منشآت شركة «أرامكو»، لكن ترمب كان حاذقاً بعدم الرد عسكرياً، بل بتصفية قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني. يريد الإيرانيون المواجهة العسكرية، ليعتقد الأميركيون أن ترمب يشدّهم إلى مواجهة في الشرق الأوسط، وبهذا يؤثرون على نتائج الانتخابات الأميركية.
كل ما يريده الإيرانيون رفع المقاطعة عنهم، فهذه أسوأ ما حدث لهم. دمرتهم، ولم تكلف أميركا شيئاً.
وأسأل محدثي الأميركي: مساء الجمعة الماضي أبلغنا الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله أن المقاطعة لم تؤثر على إيران، وهو يعرف، أليس كذلك؟ يجيب: مجرد قوله هذا يؤكد فعالية المقاطعة.
وعودة إلى مسألة النفط الإيراني لفنزويلا، الدولة الفاشلة الأخرى، إيران تريد ذهب فنزويلا، لكن لا أحد يعرف كم تملك فنزويلا من الذهب، ولو أعطته كله إلى إيران، فلن يحل مشكلات إيران، إنها بحجم أكبر من المعترف به، وفنزويلا لا تستطيع مساعدة نفسها. ما تقوم به إيران مع فنزويلا لا يستحق مواجهة أميركية مع إيران.
في الصحن الأميركي هناك الآن الصين، والسؤال هو عن الجهود الأميركية لاحتواء الصين التي أصبحت التحدي الأول لأميركا، لأنه مع تعدد القوى العظمى ونفوذها في الشرق الأوسط، أي نظام عالمي سيركب؟ ولأن أميركا قوية، تصعّب الأمر على إيران، وإن كانت أميركا ضعيفة فيسهل الأمر عليها. الشرق الأوسط يتأثر بقوة أميركا على الصين، لكن لا أحد في واشنطن يرى حرباً فعلية بين أميركا والصين.
وأسأل محدثي (المصدر الأميركي) عن صفقة القرن التي ترفضها أطراف أوروبية وشرق أوسطية كثيرة؛ كيف يمكن «تربيع» هذه الصفقة؟ يستبعد التوصل إلى اتفاق قائم على هذه الخطة. فكل اتفاق سيفشل، لأن الفلسطينيين لم يكونوا جزءاً، ولن يكونوا في المستقبل القريب، لأن صفقة القرن قدمت لهم أقل بكثير مما عرض عليهم في العقدين الماضيين. لكن الصفقة يمكن أن تساعد إسرائيل إذا تصرفت بحكمة. يوضح: الآن هناك خياران للضم؛ الأول سيئ جداً لإسرائيل، فإذا اعتمدته فسيكون خطأ جسيماً، والثاني يساعد. إذا تحدثنا عن ضمّ كل المستوطنات في الضفة الغربية، بما فيها تلك الموجودة تحت السلطة الفلسطينية، بالمصطلحات العملية هذا يعني جلب 2.5 مليون فلسطيني إلى إسرائيل، وبالتالي سيكون من الصعب فصل الجزء الفلسطيني عن الجزء الإسرائيلي، أيضاً الرأي العام الإسرائيلي سيستنتج أن إسرائيل ستكون مسؤولة عن فلسطينيّي الضفة الغربية.
يقول محدثي: إن إسرائيل تتأثر بالرأي العام، حتى عندما نتهمها بأنها مسؤولة عما يجري في قطاع غزة، يرد الرأي العام فيها أن بلاده ليست مسؤولة. ولا يهم القيادة الإسرائيلية ما تقوله أميركا أو أوروبا أو العرب بأنها المسؤولة، هي تتوقف عند الرأي العام لديها.
حالياً في الظرف القائم، إسرائيل في وضع جيد، لكن إذا ضمّت كل مستوطنات الضفة الغربية، عندها سيقول الرأي العام الإسرائيلي إن بلاده مسؤولة. وهذا سيكون خطأ إسرائيلياً جسيماً جداً. ويقول: من جهة ثانية إذا ضمت إسرائيل بضع مستوطنات حيث قلة من الفلسطينيين عندها، فربما يتذمر الأوروبيون والعرب والفلسطينيون، لكن هذا سيساعد إسرائيل. ولا يرى محدثي أن هذا الوقت مناسب لعملية الضمّ، لكن ربما لأن ترمب هو الرئيس فقد تقدم على الضم بموافقة الرئيس الأميركي.
وأسأل محدثي؛ لكن لماذا تريد إسرائيل وادي الأردن؟ يجيب: حسب معلوماتنا تريد أن تقطع فلسطينيي الضفة الغربية عن العرب وعن إيران، لأنه بمجرد أن يحصل الفلسطينيون على السيادة فإنهم حسب التفكير الإسرائيلي يريدون إيذاءها. ويضيف؛ في رأي إسرائيل، لو أن الفلسطينيين أرادوا دولة لكانوا حصلوا عليها من إيهود أولمرت (رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق)، عرض عليهم أفضل الطروحات التي لن يحصلوا عليها إطلاقاً لاحقاً. وقد لاحظ الجميع أنه الوضع الفلسطيني يتدهور في السنوات العشر الأخيرة. المؤسف أنهم لا يبحثون عن مصلحتهم.
أسأل محدثي، أن حسن نصر الله قال الأسبوع الماضي إن فلسطين من النهر إلى البحر يجب أن تعود إلى الفلسطينيين. يقول: ما يقوله نصر الله لا معنى له، ويروي قصة مفتي القدس الحاج أمين الحسيني بأنه قال الشيء نفسه، وهذا جلب الكوارث على الفلسطينيين. ما يقوله نصر الله عن لبنان مهم ومثير، لكن ما يقوله عن فلسطين لا قيمة له.
يعتقد الأميركيون أن «حزب الله» يسيطر على لبنان، ويحذرون من حرب مقبلة، لأنها ستدمر لبنان بشكل لم يقاسِ منه سابقاً، «لأنه في كل منزل في الجنوب صواريخ، فأصبحت القرى أهدافاً عسكرية»... ويسألون إلى أي مدى سيسمح اللبنانيون لهذا أن يحدث؟ هم المسؤولون عن بلادهم. لا يعرف محدثي إذا كانت حرب ما ستشتعل، يقول: هذا يعود بحد كبير إلى إيران.
من ناحية أخرى، صار معروفاً أن خلافات في سوريا بين الإيرانيين والروس على مستويين؛ اقتصادي وسياسي. فالروس يريدون إعادة تأهيل سوريا ليستفيدوا منها، وليس الإيرانيون، وأيضاً لأنه إذا أصبحت إيران قوية جداً في سوريا فلن تصلها أموال غربية، ولن يستفيد بالتالي الروس. هناك أيضاً احتمال آخر، ربما بعيد نوعاً ما، وهو الصين، لكن الأموال الصينية لن تأتي إذا كانت سوريا في حالة حرب، وإذا كانت القوات الإيرانية في سوريا، لأنه عندها تكون سوريا في حرب مع إسرائيل.
من ناحية أخرى، يحاول الإيرانيون إقامة قواعد ضخمة في سوريا تهدد إسرائيل بمئات الآلاف من الصواريخ الدقيقة المزودة بمتفجرات، ترهق منظومات دفاع الصواريخ الإسرائيلية. والمعروف أن إسرائيل هي الدولة الأكثر حماية من الصواريخ، لكنها تستطيع أن تصدّ عشرات الآلاف منها، إنما ليس مئات آلاف الصواريخ الدقيقة، التي يريد الإيرانيون بناءها في سوريا ولبنان، من هنا نرى إسرائيل في حرب وقائية، هدفها منع إيران من إقامة مثل هذه القواعد في سوريا. لهذا ستستمر المحاولات الإيرانية للمواصلة، والمحاولات الإسرائيلية لإيقافها... وهذه قد تتدهور إلى حرب بين الجانبين، لكن حتى الآن لم يرد الإيرانيون بجدية على الهجمات الإسرائيلية، وكل مرة يحاولون ردع إسرائيل، لا يستطيعون وقفها عن نسف محاولاتهم تثبيت أنفسهم في سوريا، لأنه بنظر إسرائيل، الحرب الآن لن تكون سيئة، كالحرب بعد 3 أو 5 سنوات.
وأسأل محدثي الأميركي؛ هل سنرى حرباً بين إسرائيل وإيران في سوريا؟ يقول؛ إنها قائمة عبر هجمات إسرائيلية أسبوعية. لكن أحاول الإيضاح؛ بأن إيران ونصر الله يقولان لا وجود لقوات إيرانية في سوريا، فقط مستشارون، يرد: لا يهمنا ما يقولان، ويمكن أن يسميا القوات الإيرانية «ميكي ماوس». إنهم يقاتلون لإيران.
أيضاً يتردد أن هناك نوعاً من الموافقة الروسية على عمليات إسرائيل ضد إيران في سوريا، المصدر الأميركي يؤكد ذلك.
يشرح أن للروس ثلاثة أسباب؛ الأول: لا يريدون مواجهة مع القدرة الإلكترونية العسكرية الإسرائيلية، فهم يعرفون أن إسرائيل ليست قوة عسكرية عظمى، إنما قوة عظمى في الحروب الإلكترونية. ثم إن الروس لا يريدون وضعاً يضعهم في مواجهة مع حرب إلكترونية، هم أقوى من إسرائيل، وقادرون على تحمل الخسائر والسيطرة، لكن هذا يفرض عليهم استثمارات باهظة الثمن في سوريا. وحتى الآن الاستثمار الروسي رخيص، والفوائد ضخمة.
السبب الثاني، لا يريد الروس إيران قوية في سوريا، للأسباب التي ذكرتها.
والسبب الثالث، عندما ننظر إلى الشرق الأوسط نظرة أوسع، فإن الإيرانيين يريدون السيطرة عليه، وما يدركه الروس هو أن الشيء الوحيد الذي يقف بين إيران والسيطرة على الشرق الأوسط هو إسرائيل. ولا يريدون أن تسهل الطريق أمام الإيرانيين للسيطرة فقط، لأن إسرائيل لا تقصف مواقعهم.
حسب التوافق الأميركي، إذا منع الروس إسرائيل من قصف الإيرانيين في سوريا، يستطيعون السيطرة. لهذا تستفيد إسرائيل بما تقوم به من قصف، ويستفيد معها الأميركيون والأوروبيون وروسيا والعرب. أما لبنان فلن يستفيد بشيء. لقد تم تدميره بمزيج من سيطرة «حزب الله» وعدم مسؤولية اللبنانيين، وتدفق اللاجئين السوريين.
في النهاية... لا يهم الأميركيين بقاء النظام في إيران أو سقوطه. السؤال هو: هل ستكون إيران دولة قوية في الهجوم وضعيفة في الدفاع؟
اليوم هي ضعيفة في الدفاع استراتيجياً، وفي الهجوم عملياتياً. وتزداد ضعفاً.