ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

معركة لقاح «كورونا» تزداد احتداماً

من المنتظر أن يُعامل لقاح فيروس «كورونا» الفعال، إن وجد، معاملة المنفعة العامة التي ترجع بالفائدة على المجتمع بأسره. ولم تسلم قارة من قارات الدنيا من الإصابة بتلك الجائحة الفتاكة باستثناء القارة القطبية الجنوبية.
غير أن الجمع بين المصلحة الذاتية الوطنية والضغوط المستمرة من أجل إدرار صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية للمزيد من الأرباح سوف يسفر بالفعل عن صراع على الصعيد الجيوسياسي لقاء من يتمكن من الحصول على اللقاح أولاً. وإنها لتذكرة بأن أرباح – أو غنائم – الأبحاث الطبية المتواصلة ليست مقسمة على قدم المساواة. ولا بد للنظام القائم أن يعيد النظر ملياً في أوضاعه الراهنة وآفاقه المستقبلية.
وفي واقع الأمر، تمارس الحكومة الفرنسية الضغوط الهائلة على شركة «سانوفي»، وهي كبرى الشركات الوطنية لصناعة العقاقير والمستحضرات الطبية، وذلك بعد أن تقدمت الشركة باقتراح أن تكون الولايات المتحدة – وليست أوروبا – هي أولى الجهات المستفيدة من اللقاح الجديد إذا نجحت الشركة أولاً في التوصل إليه. والسبب في ذلك، وفقاً للسيد بول هدسون، الرئيس التنفيذي للشركة، مفاده أن الولايات المتحدة كانت أول من أسهم في تمويل مشروع أبحاث لقاح «كورونا». وجاء الرد المباشر والصريح من وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون الاقتصاد السيدة آغنس بانييه روناشيه؛ إذ قالت: «مقترح غير مقبول على الإطلاق». وسرعان ما حاول رئيس الفرع الفرنسي من الشركة نزع فتيل التوتر الناشئ من خلال التعهد بأن اللقاح الفعال سوف يكون متاحاً للجميع من دون استثناء. وعلى الجانب الآخر، منحت شركة «أسترا زينيكا» البريطانية لصناعة الأدوية الأولوية للمملكة المتحدة في الاستفادة من نتائج مشروع أبحاث اللقاح الخاص بها.
ويبدو، ظاهرياً، أن موقف شركة «سانوفي» منطقي بدرجة كافية. إذ تتراوح تكاليف أبحاث اللقاح الجديد ما بين 500 مليون إلى مليار دولار، وذلك وفقاً لدراسة بحثية أجريت في عام 2015 على أيدي الطبيب والاستشاري ستانلي بلوتكين. ونظراً لأن قدراً من تحديد أولويات الاستفادة سوف يكون ضرورياً، ولا سيما مع زيادة الإنتاج إلى ملايين الجرعات، فمن شأن أولى الجهات المستفيدة أن تكون هي نفسها الجهات التي مولت المشاريع البحثية في بادئ الأمر، وفقاً لتحليل سام فاضلي، خبير الشؤون الدوائية لدى شبكة بلومبيرغ الإخبارية.
لكن هناك وجهة نظر راجحة لدى فرنسا في تلك القضية أيضاً. إذ إن جهود إنتاج اللقاح لدى شركة «سانوفي» لا تجري في الفراغ، حيث تستفيد الشركة الفرنسية من المساهمين وأصحاب المصالح الأوروبيين، فضلاً عن الموظفين، والمصانع، والإعفاءات الضريبية الأوروبية.
إيجازاً للقول، ورغم كل شيء، فإن مواصلة تقريع وتوبيخ شركة «سانوفي» لن يكون من الحلول الدائمة البناءة. إذ تكمن المخاطر في أنه إذا تناوبت البلدان في المضي قدماً للاستفادة من نتائج الأبحاث الجارية، فسوف يسفر الأمر في نهايته عن نوع من معارك تجارة اللقاحات على طول خطوط المواجهة الوطنية. ومن شأن ذلك أن يكون بمثابة سخرية لاذعة من دعوة منظمة الصحة العالمية للنظر إلى اللقاحات على اعتبارها منفعة عامة مشتركة بين الجميع.
في واقع الأمر، سوف تكون النتائج أكثر إيجابية إذا ما ابتلعت البلدان الأوروبية كبرياءها وتعاونت من خلال العمل المشترك لتوزيع التكاليف المالية للقاحات بالتساوي فيما بينها. ثم يمكنهم بعد ذلك التفاهم على توزيع الأرباح بصورة متساوية. وليس هناك من سبب واضح يمنع بلدان الاتحاد الأوروبي من صياغة النسخة الأوروبية المعتمدة من «هيئة البحث والتطوير الطبي المتقدم» في الولايات المتحدة، ومطابقة سياسات الإدارة الأميركية في ذلك المضمار. ومن بين أبرز الأمثلة على ذلك هي مبادرة جمع التبرعات داخل الاتحاد الأوروبي بقيمة بلغت 8 بلايين دولار لصالح أبحاث اللقاحات، فضلاً عن الجهود المشتركة لتوفير المعدات الطبية واللقاحات.
ومن المعروف أنه كلما اتسعت رقعة التعاون المشترك زادت الفرص المتاحة أمام البلدان لرفع مستوى تكافؤ الفرص مع كبريات شركات صناعة الأدوية. وكانت تلك الشركات قد ركزت جهودها منذ عقود على إنتاج العلاجات الجديدة المدرة للأرباح تحت مظلة براءات الاختراع وحمايتها القانونية، وغالباً ما كانت تفرض حجاباً حاجزاً عن وصول سكان البلدان النامية لتلك الأدوية والعقاقير الجديدة. وتحاول المنظمات الجديدة مكافحة هذه التوجهات: إذ قامت «مجموعة براءات الاختراع الطبية» المدعومة من منظمة الأمم المتحدة بمنح ترخيص إنتاج عقاقير فيروس نقص المناعة البشرية المسجلة إلى شركات صناعة الأدوية العامة بتكاليف أقل. كما تمكن «الائتلاف من أجل ابتكارات مكافحة الأوبئة» من دعوة مختلف البلدان لتوفير التمويلات المشتركة لصالح أبحاث اللقاحات.
كشفت أزمة الوباء الأخير عن الكثير من المشكلات في سلاسل توريد المستحضرات الدوائية، تتراوح من الاعتماد على الأسواق الناشئة في توريد الأدوية الحيوية إلى عدم الاهتمام بأبحاث اللقاحات غير المدرة للأرباح المحتملة. وإذا كانت الفرصة السانحة هنا هي ضمان حصول العقاقير المنقذة للأروح على التمويلات التي تحتاج إليها، فإن دافعي الضرائب من أرجاء العالم كافة – وليس في فرنسا أو الولايات المتحدة فحسب – من حقهم الحصول عليها بصورة أفضل.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»