حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

جائحة «الخوف»!

خلال حفل مراسم تنصيب الرئيس الأميركي الثاني والثلاثين فرانكلين روزفلت، ألقى كلمة قال فيها «إنه لا يوجد شيء نخافه إلا الخوف نفسه»، وتحولت هذه المقولة مع مرور الوقت إلى حكمة بليغة يتم الاستشهاد بها. وفي هذه الأيام الصعبة التي يمر بها العالم جراء انتشار جائحة (كوفيد - 19) ووجود العديد من الأسئلة الغامضة والصعبة عن آثار الجائحة الصحية والاقتصادية، هناك حديث متزايد ومهم عن الآثار النفسية المدمرة والناتجة في المقام الأول عن الخوف. ولتأكيد ذلك الأمر، لا تتوقف الأخبار المختلفة خلال فترة الشهرين التي مضت عن ارتفاع كبير جداً في معدلات العنف الأسري والتنمر والعنصرية والأمراض النفسية كاضطرابات النوم والتبول اللاإرادي والقلق الشديد والاكتئاب العميق والذي يرجعه أحد علماء النفس إلى سبب واحد وهو: الخوف.
قدمت مجلة «بلومبرغ» تقريراً إخبارياً مهماً يتوقع أن الأزمة القادمة التي لها علاقة بجائحة (كوفيد - 19) سوف تكون موجات من حالات الانتحار حول العالم نتيجة التداعيات المتزايدة لهذه الأزمة العنيفة، التي لم يعرف لها العالم مثيلاً من قبل. الحظر المنزلي الطويل، والتباعد الاجتماعي والعزلة والوحدة والذعر من التداعيات الاقتصادية المتلاحقة بسرعة عنيفة... كل ذلك سبب في أزمة صحية نفسية في العالم الغربي (على الأقل هو الجزء الوحيد من العالم الذي يتحدث عن هذا الموضوع بوضوح وشفافية حتى الآن). وتبرهن على ذلك الأعداد المتزايدة للحالات المشخصة، إضافة إلى ازدحام خطوط المساعدة الهاتفية لحالات الطوارئ النفسية. وأتذكر الآن ما ورد في كتاب المؤلف الأميركي جافين دي بيكر الذي اختار له عنواناً لافتاً ومثيراً وهو: «هدية الخوف»، وهو الكاتب الذي تصفه الإعلامية الأميركية الأشهر أوبرا وينفري بأنه أحد أهم الخبراء عن العنف ومعرفة أولى علامات الخطر. يقول الكاتب إن علامات الخطر والعنف من الممكن توقعها، وإنه كلما زادت درجات الخوف عند الشخص زادت إمكانية استشعار الخطر والتعامل معه بشرط عدم الخضوع للإحساس بالخطر.
أيضاً نشر موقع «بي بي سي» مقالاً مهماً لديفيد روبنسون يتعمق فيه بخصوص الآثار الجانبية النفسية على الناس كنتيجة لجائحة (كوفيد - 19)، ولعل أهم ما أشار إليه الكاتب هو أن الناس ستغير ردود فعلها «الطبيعية» تجاه المواقف التقليدية بأن تتصرف بأسلوب غير عادي. وبناء على ذلك قام خبير علم النفس بجامعة بريتيش كولومبيا في كندا، مارك شالير، باستحداث توصيف جديد وهو «مناعة السلوك البشري»، وهي التي تأتي مع أعراض المرض نفسها وتطورها لتنعكس على الحالة النفسية، بينما حذرت مجلة هارفارد لمراجعة الأعمال الصادرة عن جامعة هارفارد العريقة، وبشدة من تحول الخوف من (كوفيد - 19) إلى وصمة لا تزول.
حالات الخوف التي تصاحب الأزمات الكبرى مسألة متوقعة كما في الكوارث الطبيعية والحروب والانكماش الاقتصادي وغيرها، ولكن ما يهدد العالم اليوم هو حالة «الخوف المفتوح»، وهناك «صناعة خوف» كاملة يدعمها رموز المال والإعلام والسياسة لأنه بطبيعة الحال هناك دائماً من يستفيد من أي وضع «جديد» ويراهن على «تفاقم الوضع» إلا أنه مع مرور الوقت بات من الضروري التفريق بين احترام المرض والخوف من المرض، ففي الحالة الأولى تسيطر أنت على المرض وفي الوضع الثاني يتحكم فيك تماماً.
جائحة الخوف المصاحبة (كوفيد - 19) هي بنفس درجة الأهمية التي يتم تداولها عن المرض نفسه، لكن خطورتها أكبر لأنها تقتل النفس وتزيل الثقة وتحطم الأمل وتزعزع الأمان، وهذه فاتورة مدمرة سيدفع ثمنها الجميع ما لم يساعدوا أنفسهم على مواجهة الأمر والتغلب عليه.
الرسائل الإيجابية ولغة التطمين مسألة في غاية الأهمية وهي استثمار وقائي في الأنفس ستكون عوائده عظيمة لو أحسن استغلالها.