علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

تعاون

يحكى أن شركة أميركية كان لديها عدد من الموظفين، وكانت أعمالها تسير على قدم وساق، مما يمكنها من دفع رواتب موظفيها، وكذلك امتيازاتهم. هذه الشركة تعرضت لهزة اقتصادية جعلت مجلس الإدارة يقرر الاتجاه لإعلان إفلاس الشركة، ومن ثم تصفيتها، مما يعني في المحصلة النهائية تسريح العاملين في الشركة، وإدخالهم قائمة البطالة. مجلس الإدارة أحاط المدير التنفيذي بالقرار الذي اتخذه الشركاء، وطلب من المدير التنفيذي اتخاذ الخطوات التي تضمن تنفيذ القرار. المدير التنفيذي عرض على مجلس الإدارة عرضاً آخر، يتلخص في أن يمنحوه فرصة أخيرة ليتمكن من معالجة وضع الشركة المنهار؛ مجلس الإدارة وافق على طلب المدير التنفيذي، مشترطاً ألا يحمل الشركة أي التزامات مالية أخرى، بحكم أن وضعها لا يسمح بذلك، فوافق المدير التنفيذي.
فماذا فعل المدير التنفيذي؟ كل ما فعله المدير أنه اجتمع مع العاملين في الشركة، وشرح لهم موقف الشركة بوضوح، والاتجاه الذي تسير إليه الشركة، موضحاً أنه إذا لم يتم إنقاذ الشركة، فإنهم وهو معهم سيجلسون على كرسي رصيف البطالة، ولكنة أردف أن هناك حلاً، وهو بأيدينا، وبسرعة سأل الموظفون: ما الحل؟
المدير هو الآخر سأل من يستطيع منكم أن يأخذ إجازة من دون مرتب؟ رفع القادرون من العاملين أيديهم، وحددوا المدد التي يمكن لمدخراتهم أن تكفيهم، فمنحوا جميعهم إجازات من دون مرتبات.
وحين عودتهم كان عدد آخر من الموظفين قد ادخروا شيئاً من مرتباتهم، وأخذوا إجازة من دون مرتبات، وتوالت العملية حتى استطاعت الشركة تجاوز ظرفها وعادت إلى الربحية، وكان ذلك بفضل حنكة المدير، وتعاون العاملين الذين أدركوا أنه بتضحيتهم وتعاونهم يمكن تجاوز الموقف.
هذه القصة تدرس في بعض مناهج كليات الإدارة العربية، ويشيد بها أساتذة الإدارة، لكن الغريب أنه حينما قررت شركة «إعمار»، وهي شركة مساهمة مقرها دبي، خفض مرتبات موظفيها لمواجهة الموقف الحالي الذي يمر به العالم والمنطقة، وبدأها رئيس مجلس إدارة الشركة محمد العبار بخفض راتبه بواقع 100 في المائة، وخفض رواتب الإدارة الوسطى 50 في المائة، وخفض رواتب البقية 30 في المائة، وكذلك قامت شركات سعودية بعمل مماثل لمواجهة الأزمة، سمعنا كثيراً من الانتقادات، وأن الخليج أفلس، وهذا هو الدليل: قيام شركاته بخفض رواتب موظفيها! ولا أعلم هل هذا جهل من هؤلاء بآلية عمل الشركات أم أن هناك شيئاً آخر؟
في الرياض، ابني عبد الملك يعمل مع شركة «ديلويت آند توتش الشرق الأوسط العالمية» الأميركية، وتحسباً أوقفت الشركة الترقيات والحوافز والامتيازات، وهذا مشروع في مواجهة أزمة غامضة لا نعرف متى نتجاوزها، المهم حينما سألت ابني عن مشاعره تجاه ما قامت به الشركة، أجاب: أبداً سأعدها سنة أدائي بها سيئ، لذلك لم أستحق مكافآت، وسأتجاوزها.
الشركات مثل الأفراد لها حياة، تمتد وتقصر حسب مسيريها، فإذا أحسن المديرون علاجها عند المرض أعطتهم عند الصحة.