خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

كفوا عن السعال رجاء

الممثلون والمطربون والموسيقيون يحتاجون إلى الصفاء والهدوء ليستطيعوا التركيز على أدوارهم. ولهذا فما من شيء يزعجهم ويعكر عليهم أداءهم أكثر من ضوضاء تصدر من المستمعين والنظارة. وكثيراً ما يحدث مثل ذلك عندما ينشغل أحدهم بالسعال والعطاس بصوت عال. وفي بريطانيا كثيراً ما تنتاب الجمهور في موسم الشتاء موجة من الزكام تسفر عن كثير من السعال والعطاس. اضطر مدير قاعة كونسيرت الموسيقية إلى ربط كل تذكرة يبيعها للجمهور بقرص «بوتس» لكبح السعال أثناء الحفلة الموسيقية الغنائية. بيد أن المشكلة الآن هي أن الجمهور أصبح يشتري بطاقاته بالإنترنت فلا يمكن ربط كل بطاقة بقرص «بوتس»، وما شاكله من عقار.
الواقع أن أحد مسارح اسكوتلندا، حيث يشتد البرد في الشتاء، اضطرت إدارته إلى غلق المسرح لعدة أيام لا لابتلاء الجمهور بوباء الزكام، وإنما لأن الزكام قد هاجم أيضاً أكثر الفنانين والفنانات وصعب عليهم أداء أدوارهم. كثيراً ما يجد الجمهور بطاقة أو لوحة اعتذار بعدم تمكن الممثل فلان من أداء دوره.
عانى من مثل هذا الضجيج الممثل الإنجليزي جون باريمور. كان أحد النظارة في الصفوف الأمامية من القاعة يسعل بشكل مستمر وبصوت هستيري. كانت المسرحية تشمل مشهداً لوليمة تصدرت فيها دجاجة على المائدة. وبعد أن نفد صبر الممثل باريمور، رفع الدجاجة وقذف بها على ذلك الشخص وصرخ فيه: أرجو أن تعالج حنجرتك بهذه الدجاجة. وضج الحاضرون بالضحك. ناوله أحدهم قرصاً طبياً يقمع السعال. عاد الممثل وواصل أداء دوره بكل شجاعة وكياسة.
كان لجون باريمور شقيقة «إثل» تمارس التمثيل أيضا وتعيش على العمل المسرحي. واجهت مشكلة ضوضائية من نوع آخر، ضوضاء المتكلمين. تفاديا لمثل ذلك، اعتادت المسارح في بريطانيا على غلق أبواب المسرح وعدم السماح لأحد بالدخول حالما ترفع الستارة. بيد أن أحد المسارح في منطقة عمالية كانت تعاني من الإفلاس اضطرت إلى تجاوز هذا التقليد والسماح للمتأخرين بالدخول أثناء أداء المسرحية. دخول القاعة أثناء العرض من أزعج المصادفات.
وفيما كانت إثل باريمور تقوم بأداء مشهد مسرحي، فتحوا الباب لمجموعة من العمال وسمحوا لهم بالدخول. ولم ينتهِ الأمر بذلك. فحالما جلس القوم في مقاعدهم بادروا إلى الكلام فيما بينهم واستمروا في ذلك. لم تتمالك إثل باريمور من ضبط أعصابها فتوجهت نحوهم وخاطبتهم:
«يا حضرات السادة، إنني أسمع كل كلمة من كلامكم لأنني قريبة منكم. ولكن بقية الجمهور في المسرح بعيدون منكم. يا ليتكم ترفعون أصواتكم بحيث يسمع الآخرون ويستمتعون بفضائحكم». بيد أن القوم لم يستجيبوا لندائها بل أخلدوا للسكوت والاستمتاع بالمسرحية.
العنصر الآخر الذي يعاني منهم الممثلون والفنانون هو انهماك جمهور النظارة بأكل الآيس كريم والشوكولاته والمكسرات بكل ما يصاحب ذلك من ضوضاء وأصوات فتح العلب والقناني والمباشرة بالأكل والشرب أثناء قيام الفنانين بأدوارهم، ناهيكم عن مشكلة تنظيف القاعة بعد الانتهاء من الحفلة.