زاهي حواس
عالم آثار مصري وخبير متخصص بها، له اكتشافات أثرية كثيرة. شغل منصب وزير دولة لشؤون الآثار. متحصل على دبلوم في علم المصريات من جامعة القاهرة. نال درجة الماجستير في علم المصريات والآثار السورية الفلسطينية عام 1983، والدكتوراه في علم المصريات عام 1987. يكتب عموداً أسبوعياً في «الشرق الأوسط» حول الآثار في المنطقة.
TT

الأسرة الفرعونية

كان المصري القديم حريصاً على الزواج في سن مبكرة، ولدينا الحكيم بتاح - حوتب، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من أربعة آلاف عام، وقد ترك لنا نصائح مهمة، يقول فيها «إذا أصبحت كفئاً (أو رشيداً) أسس بيتك (أي كوّن أسرتك)، وأحب زوجتك في حدود العرف، أو عاملها بما تستحق». ولدينا حكيم آخر يتحدث عن الزواج، ويوجه نصيحة إلى ابنه الذي يدعى خنسو، يقول: «تجد لك زوجة وأنت شاب أو رشيد، لتربي أطفالك، وتعاملك بالحسنى».
وأضاف الأديب نفسه، أو الحكيم، نصيحة لابنه، وقال: «اتخذ لك زوجة تلد لك أبناء، فإنها إذا أنجبته لك وأنت في خور الشباب استطعت أن تهذبه، وتجعله إنساناً، وطوبى للمرء الكثير الأصل حين يرتجي من أجل أبنائه». وهناك أديب آخر يدعى غنخ - شاشنق، يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد، ولدينا ما قاله وهو ينصح ولده أيضاً، ويقول: «اتخذ لك زوجة حين تبلغ العشرين، حتى يأتي لك الخلف. وأنت في ريعة الشباب». كما أشار بذلك العالم المصري الكبير عبد العزيز صالح، الذي ترك لنا كتاباً عن الأسرة، وأضاف أن شاشنق قال «قد تقترض مالاً بفائدة، لتتزوج، ولكن لا تقترض مالاً بفائدة لتتعاظم به»، وقام أيضاً بوعظه في كيفية اختيار الزوجة، وقال «احذر أن تتخذ فتاة سوقية الطبع زوجة، حتى لا تورث أبناءك تربية فاسدة».
وسوف نلاحظ من دراستنا للمجتمع المصري القديم، أن الأسرة المصرية كانت مستقرة تماماً، ولم نجد في تاريخ العالم القديم أو الحديث أن هناك أسرة سعيدة ومستقرة مثل ما حدث أيام الفراعنة، وكان السبب في ذلك هو أن القانون الإلهي قد وضع للمرأة في مصر القديمة أصولاً وقواعد دينية اتبعت خلال الفترات التاريخية المختلفة، منها أن المرأة لا يمكن أن تصبح فرعوناً، وأن الرجل هو الوحيد الذي كان من حقه أن يصبح فرعوناً، وفي الوقت نفسه ليس من حق الرجل أن يصبح فرعوناً، بدون المرأة، لأن المصريين القدماء اعتقدوا أن الإلهة إيزيس (امرأة) عندما بكت لمقتل زوجها أوزوريس حفرت دموعها مجرى نهر النيل، وبعد ذلك استطاعت هذه المرأة أن تلد من أوزوريس ولداً، بعد أن أعادته للحياة بسحرها، وتقوم بتربية هذا الطفل حورس في الأحراش، حتى أصبح شاباً، وقام بالانتقام لأبيه أوزوريس، وقتل الشر المتجسد في الإله سث، وبذلك أصبح ملكاً على مصر، أي أن المرأة هي التي خلصت مصر من الشر، وأصبح هناك ملك قوي عادل قادر على حكم البلاد.
لذلك فقد رسم الفراعنة الطريق للمرأة بأن تقوم بالاعتناء بالمنزل، وفي الوقت نفسه تقوم بتربية أولادها، وبعد ذلك إذا كان لديها وقت تقوم بالعمل طبيبة أو قاضية، ولذلك كان المجتمع المصري القديم صحياً، وخرج منه المهندس العبقري الذي بنى الهرم، وعالم الفلك، والفنان، وهذا سبب أن الفراعنة رسموا الطريق للأسرة الفرعونية، وقد وضع المصري القديم أيضاً قانوناً وعرفاً في الوقت نفسه بالتزام الزوج لدى زوجته، والتزام الزوجة بزوجها. ولدينا من نصائح بتاح حوتب، وهو ينصح ابنه، ويقول «أسعد فؤادها طيلة حياتك. إن المرأة حقل نافع لولي أمرها، ولا تتهمها بسوء ظن، ولا تغضب زوجتك في دارها، إذا أردت إصلاحها».