سارة غرين كرمايكل
TT

لمحات مضيئة في خضم مأساة «كورونا»

بعد الأسبوع الأول من العزلة الذاتية، أذهلني معرفة نفس المشاعر لدى الأصدقاء من القارات المختلفة: الوباء مريع للغاية، ولكن أحد الجوانب المضيئة للأمر هو الغياب التام لحالة «خشية فوات الأشياء». وقالوا إنَّه من المريح التوقف عن الشعور بالقلق من أنَّ الأصدقاء يستمتعون من دونهم في أماكن أخرى.
وفي أوقات الإغلاق، ليس هناك خوف من فقدان الأشياء، ذلك لأنك تعلم أنَّ الجميع لا يستمتعون بأوقاتهم على الإطلاق، مع أي أحد، في أي مكان. فضلاً عن تبخر مشاركات منصات الإعلام الاجتماعية من صور العطلات المختلفة والحفلات الموسيقية الجميلة التي كانت تستخدم في تعزيز «خشية فوات الأشياء».
إنَّ ما لدينا الآن هو شيء مختلف للغاية. وهو ليس «خشية فوات الأشياء»، وإنَّما «حقيقة فوات الأشياء». ففي ظل الحالة الأولى يصيبك القلق بأنَّ ما تفعله ليس لطيفاً بدرجة كافية لجذب الانتباه. أما في ظل الحالة الثانية، فإنَّك تدرك أنَّك لست كذلك فعلاً.
ولقد استبدل بعدم اليقين القديم آخر حديثاً وأكثر اتساعاً: هل من الآمن الذهاب إلى متجر البقالة؟ وهل سوف أفقد وظيفتي؟ وهل سوف يموت أحد أحبتي؟ ومتى سوف ينتهي هذا البلاء؟
وحالة «حقيقة فوات الأشياء» تعني عدم السفر، وعدم الذهاب إلى المطاعم أو المقاهي، وعدم إقامة الحفلات. لقد هرب شلل الاختيار خارج النافذة بسبب عدم وجود إلا الحد الأدنى من الخيارات.
ولقد اكتشفت أن بعض هذه الأشياء، التي تأجلت أو ألغيت، مسببة الكثير من الآلام غير المتوقعة. ففي ماساتشوستس، حيث أعيش، كان منتصف شهر أبريل (نيسان) دائماً ما كان يعني الاحتفال بيوم من أيام العطلات المحلية تخليداً لذكرى بداية اندلاع الثورة الأميركية. وكانت هناك مسيرات وعروض فنية في البلدات الصغيرة، مع الأطفال الذين يلهون على الدراجات المزينة، ثم ممارسة لعبة «ريد سوكس» (الجوارب الحمراء) وبعد ذلك ماراثون بوسطن، وإعادة تمثيل «معارك ليكسينغتون وكونكورد» تحت شمس أبريل الساطعة، ويقوم رجال يمثلون المستعمرين القدماء وأصحاب المعاطف الحمراء بتناول القهوة في مقهى «دانكن» الشهير.
لكن في العام الجاري، لم يتمكن الجنود من الالتقاء عند الجسر الشمالي القديم على النحو المعتاد.
ومن شأن كل هذه الإلغاءات أن تجعل الأمور تبدو كما لو أن الحياة معلقة تماماً في الهواء – ولكنها لا تزال تمضي قدماً في الحقيقة، وأننا لن نستطيع استعادة الأوقات التي ضاعت منا أبداً.
وليس من المحتمل للمؤلفين، والمخرجين، والموسيقيين، الذين كانوا على استعداد لإطلاق أفكارهم خلال فصل الربيع الحالي، أن تحصل كتبهم، وأفلامهم، وألبوماتهم على الاهتمام الذي تستحقه. وربما لا يتمكن الرياضيون - بعد فقدان فرصة السنة الحالية – من التأهل في منافسات الأولمبياد في السنوات القادمة. كما لن يتمكن خريجو السنوات النهائية في المدارس الثانوية من حضور حفلات التخرج، ولن تتيح الظروف للخريجين الجدد حضور حفلات الترحيب ببدء العام الدراسي الجديد. وسوف يفتقد الأجداد الأيام الأولى من حياة أحفادهم بسبب التباعد الاجتماعي. وبعض الوفيات قد لا تجد من يبكي عليها في الجنازات.
أما بالنسبة إلى التأجيلات، فهناك مرضى كثيرون عالقون في انتظار إجراء جراحات استبدال المفاصل، وغيرها مثل فحوصات ضغط الدم العالي.
ولمقاومة سحابة الإحباط القاتمة التي تجلبها تلك الظروف الراهنة، يبحث العقل البشري بصورة غريزية عفوية عن لمحات مضيئة في خضم المأساة، مثل غياب تيمة «خشية فوات الأشياء».
وعندما صار أصحاب الملايين الورقية في البزوغ بين عشية وضحاها، وحاربت الشركات الكبرى من أجل الاستحواذ على المواهب، كان من الطبيعي للغاية أن يساور بعض الناس القلق من فوات استغلال الوضع الراهن والفرص المتاحة أمامهم – من أجل المال، والترقي، والتقدم، والمتعة. والآن، صرنا سعداء لأننا لن نتمكن من الحصول على أي فرص أخرى على الإطلاق!
ومن ناحية أخرى، كانت حقيقة فقدان الأشياء تبدو بمثابة الضيف الثقيل غير المرغوب فيه والذي طالت فترة إقامته وتجاوزت مدة الترحيب المعقولة. وليس أمامنا من خيار سوى قبول ما جلبه هذا الضيف الثقيل بصحبته؛ دروساً في التأمل، والامتنان، والصبر.
وكلما سارع الضيف الثقيل بالرحيل كان أفضل لنا جميعاً.

* بالاتفاق مع «بلومبرغ»