مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

«كورونا» أطلق السجناء وسجن الطلقاء

لقد استمددت عنوان هذا المقال من (واتساب) بعث به لي أحد (أصدقاء السوء)، وحرك به زناد فكري، وتعجبت كيف أن هذا (الفيروس) الذي لا يرى بالعين، قد قلب الدنيا عاليها على سافلها، فأطلقت كثير من الدول الألوف المؤلفة من المساجين، في الوقت الذي فرضت فيه هذه الدول على المواطنين من مختلف مشاربهم ما يسمى بالحجْر المنزلي - وهو في الواقع سجن إجباري - أو بمعنى أكثر لطافة هو (حبس حشمة)، ويقبع اليوم خلف جدران المنازل ما لا يقل عن ثلاثة مليارات سجين، من 200 دولة في العالم، وأنا ولا فخر واحد من هؤلاء، وعندما يُقضى على هذا الوباء بإذن الله، سيُفرج عن مساجين المنازل، ويحق لنا ساعتها أن نطلق على كل واحد منهم اسم (خريج سجون) - حتى مين ما كان.
صحيح أن ذلك الحجْر ضرورة لا بد منها، غير أن لها أيضاً تبعاتها السلبية ولا أقول الكارثية، ففي الصين التي انطلق منها الوباء على سبيل المثال، تزايدت حالات الطلاق في أعقاب ذلك الحجْر، وروت بعض النسوة على منصات التواصل الاجتماعي أنهن اضطررن إلى القيام بكل شيء خلال فترة الحجر الصحي للتسوق من أجل حاجيات البيوت ورعاية الأطفال، بدون تلقي أدنى مساعدة أو مشاركة من أزواجهن، ومثال آخر فقد طلبت السلطات البلجيكية من بعض الفنادق في البلاد، فتح أبوابها لمساعدة النساء اللواتي تعرضن للعنف المنزلي خلال فترة الحجْر المنزلي المفروض، وفي المقابل يتم منح صاحب الفندق تعويضاً يقدر بـ30 في المائة من خسائره خلال هذه الفترة.
هل تصدقون أنه خلال هذه الأشهر ذكرت تقارير إخبارية فرنسية، أنه بسبب (حبس الحشمة) هذا، بلغت حالات التعدّي على النساء ما لا يقل عن 210 حالات، بعضها وصل إلى حد القتل، إلى درجة أن الأمين العام للأمم المتحدة دعا في قناة (CNN) إلى الالتفات لنيويورك في أميركا، وحماية النساء والفتيات من العنف الأسري، وسط تقارير عن تزايد هذه الحالات خلال فترة الحجْر الصحي.
وأردف قائلاً بأسى: إن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف، هو المكان الذي يفترض فيه أن يكون واحة أمان لهن، ألا وهو المنزل.
لا أريد أن أتطرّق للسجون - آسف - أقصد للمنازل العربية، ففينا ما يكفينا وأنا بطبيعتي لا أحب تقليب المواجع، إلاّ إذا اضطررت مرغماً - بمعنى إلا إذا داس أحدهم لي على ذيل.