أندرياس كلوث
خدمة «بلومبيرغ»
TT

دعوة للاستيقاظ

من أكثر الكلمات المضللة المتعلقة بفيروس «كورونا» أنه يتعامل معنا جميعاً بنفس الشكل. لكنّ هذا لا يحدث سواء من الناحية الطلبية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى النفسية. فما حدث هو أن «كورونا» تفاقم في ظل حال عدم المساواة السائدة منذ زمن وفي كل مكان. فقبل فترة ليست بالبعيدة، شاهدنا اضطرابات اجتماعية وصلت إلى حد الانتفاضات والثورات.
شاهدنا الاضطرابات الاجتماعية تتزايد بالفعل في جميع أنحاء العالم قبل أن يبدأ فيروس «سارس» رحلته. ووفقاً لأحد الإحصاءات، فقد كان هناك نحو مائة احتجاج شعبي كبير مناهض للحكومة منذ عام 2017 بدءاً من مظاهرات السترات الصفراء في دولة غنية مثل فرنسا، إلى المظاهرات ضد الطغاة في دول فقيرة مثل السودان وبوليفيا. أطاح نحو 20 من هذه الانتفاضات بقادة بلادهم، فيما تعرض العديد من الاحتجاجات إلى قمع وحشي وعاد الكثير من البلدان إلى الغليان حتى الاندلاع المقبل.
كان التأثير الفوري لفيروس «كورونا» هو إخماد معظم أشكال الاضطرابات، حيث تجبر الحكومات الديمقراطية والسلطوية مواطنيها على الإغلاق، مما يمنع الناس من النزول إلى الشوارع أو الحشد في مجموعات. لكن خلف أبواب مراكز الحجر الصحي المعزولة، وفي السجون وفي الأحياء الفقيرة وفي مخيمات اللاجئين، فإن الأزمة تتفاقم ليعاني الناس من الجوع والمرض والخوف، وتتفاقم المأساة حتى قبل تفشي المرض. بطريقة أو بأخرى، حتماً سيؤدي كل هذا الضغط إلى الانفجار.
هكذا وضع «كورونا» عدسة مكبرة على عدم المساواة بين البلدان وحتى داخلها. في الولايات المتحدة، قام الأثرياء بعزل أنفسهم في عقاراتهم في هامبتون وفي اليخوت الفاخرة. وفي تصرف معبّر، قام أحد أقطاب هوليوود بحذف صورة بعد نشرها بوقت قصير عبر موقع الصور «إنستغرام»، ظهر فيها وقد عزل نفسه في قاربه الذي يقدّر ثمنه بنحو 590 مليون دولار، بعد أن أثارت الصورة غضب الكثيرين. وهناك فئات من الميسورين والمرفهين بمقدورهم العمل من البيت عبر مواقع مثل «زوم» و«سلاك».
لكنّ هناك أعداداً لا تُحصى من الأميركيين ليس لديهم هذا الخيار. في الواقع، كلما قلّ المال الذي تجنيه، قلَّت إمكانية قدرتك على العمل عن بُعد. فبسبب الافتقار إلى المدخرات والتأمين الصحي، يتعيَّن على هؤلاء العمال الذين يعملون في وظائف خطرة الحفاظ على عملهم أو وظائفهم الكادحة، إذا كان لديهم عمل من الأساس لتلبية احتياجاتهم. ولكي يعيشوا على حد الكفاف، فإنهم يخاطرون بالعدوى ونقل الفيروس إلى عائلاتهم الأكثر عُرضة للمرض، والأقل حظاً في السير في متاهات التأمين الصحي المعقدة، شأن الفقراء في كل مكان. وبالتالي فإن «كورونا» يمر بسرعة عبر الأحياء الضيقة والكادحة والقاتمة.
حتى في البلدان التي ليس لها تاريخ طويل من الفصل العنصري، يفضل الفيروس بعض الرموز البريدية على غيرها، لأن كل شيء يتآمر لجعل لكل حي طبقته الاجتماعية الوبائية الخاصة به وفق مستوى الدخل والتعليم وحجم الوحدة السكنية والكثافة السكانية، وحسب العادات الغذائية وحتى نمط العنف المنزلي. في منطقة اليورو، على سبيل المثال، تمتلك الأسر ذات الدخل المرتفع ضعف المساحة المعيشية التي تمتلكها نسبة العُشر الأفقر من السكان: 72 متراً مربعاً مقابل 38 متراً فقط للفقراء.
لكن الاختلافات بين الدول أكبر حجماً. فبالنسبة لأولئك الذين يعيشون في مدن الصفيح في الهند أو جنوب أفريقيا، لا يوجد شيء اسمه «التباعد الاجتماعي»، لأن جميع أفراد الأسرة ينامون في غرفة واحدة. لا يوجد نقاش حول ارتداء الأقنعة لعدم وجود أي منها. وأقصى نصيحة للحماية هي المزيد من غسل اليدين بعناية، إن كانت هناك مياه جارية.
هكذا سارت الأمور أينما ظهر «سارس» أو «كورونا». وقد حذرت «منظمة العمل الدولية» من أن الوباء سيدمر 195 مليون وظيفة في جميع أنحاء العالم، وأنه سيخفض بشكل كبير دخل 1.25 مليار شخص آخر، معظمهم الفقراء بالفعل. ففي ظل تفاقم معاناتهم، تتفاقم آفات أخرى، منها إدمان الكحول والمخدرات والعنف المنزلي وإساءة معاملة الأطفال، مما يصيب السكان بصدمة كبيرة، وربما بشكل دائم.
في هذا السياق، سيكون من السذاجة الاعتقاد أنه بمجرد انتهاء هذه الحالة الطبية الطارئة، أن دول العالم أو أن العالم كله سيبقى على حاله.
بمرور الوقت يمكن أن تتطور هذه المشاعر لتصبح حركات شعبية أو راديكالية جديدة، لتزيح أي نظام قديم يرونه عدواً. وبالتالي فإن الوباء الكبير لعام 2020 هو بمثابة إنذار، ولذلك يتعين علينا التفكير بجدية أكبر وبجرأة أكبر، لكن بشكل عملي بشأن المشكلات الأساسية التي نواجهها، بما في ذلك عدم المساواة.
إنها دعوة للاستيقاظ، ليس فقط في النجاة من «كورونا»، لكن من أجل البقاء في عالم يستحق العيش فيه.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»