تيدروس إدهانوم ومارك لوكوك
TT

وقف الوباء يحتاج إلى نظرة عابرة للحدود

وصل الفيروس إلى أماكن يعيش سكانها في مناطق حروب، حيث يتعذر عليهم الحصول على مياه نظيفة وصابون، ولا أمل لديهم في الحصول على سرير مستشفى إذا ألم بهم مرض خطير.
وإذا كانت الدول الغنية المتمتعة بمنظومات رعاية صحية قوية تترنح تحت وطأة تفشي «كوفيد - 19»، فلك أن تتخيل ما سيحدث في دول تعيش في خضم أزمات إنسانية عميقة خلفتها حروب أو كوارث طبيعية أو التغيرات المناخية.
إذا ما تركنا فيروس «كورونا» ينتشر بحرية في تلك المناطق، فإننا بذلك نعرّض حياة الملايين لمخاطر مرتفعة، ذلك أن مناطق بأكملها ستسقط في حالة من الفوضى وستسنح أمام الفيروس فرصة لمعاودة حصار العالم بأسره.
تولي الدول التي تحارب الوباء داخل أراضيها - عن حق - الأولوية لمواطنيها. لكن الحقيقة الصعبة هنا هي أنها ستخفق حتماً في حماية شعوبها إذا لم تتحرك لتقديم يد العون إلى الدول الأشد فقراً لحماية نفسها من «كوفيد - 19».
هذا الفيروس لا يعرف حدوداً، وقوتنا في مواجهته تُقاس بوضع أضعف المنظومات الصحية.
عبر العالم، يتلقى الناس توجيهات بضرورة أن يلزموا منازلهم، وتُجبر الأعمال على الإغلاق، ويعيش الناس قيوداً على التنقل الدولي، في محاولة لاحتواء تفشي «كوفيد - 19». وللأسف الشديد حصد الفيروس أكثر من 16 ألف روح حول العالم حتى اللحظة.
هذه أوقات مخيفة. ولدى الناس مخاوف مشروعة من أن يفقدوا أحباءهم ومصادر رزقهم وأنماط حياتهم.
وبالتزامن مع اتخاذ مواطنين عبر أوروبا والولايات المتحدة ودول غنية أخرى، خطوات معقولة لاجتياز الأزمة بسلام وحماية الأكثر ضعفاً في مجتمعاتهم، يتعيَّن على الحكومات التحرك إزاء ما يجري في أجزاء أخرى من العالم، إذا رغبت في وقف تفشي هذا الوباء.
بدأ الفيروس في الانتشار في دول لديها منظومات صحية أضعف رغم الجهود التي تبذلها الحكومات والمجتمعات لتحجيمه.
ورغم أن كبار السن هم الأشد تضرراً، فإن هذا لا يعني أن الشباب بمأمن. وتكشف البيانات الواردة من دول كثيرة أن الأشخاص دون الخمسين يشكلون نسبة معتبرة من المرضى، الذين يحتاجون إلى دخول المستشفيات. وفي مناطق يعاني أطفالها من سوء التغذية ومن أمراض معدية، ينبغي أن نستعد لتنامي هذه النسبة.
المؤكد أن الإخفاق في تقديم العون إلى دول العالم الأشد فقراً لمحاربة «كوفيد - 19» سيكون أمراً قاسياً ويفتقر إلى الحكمة.
تعمل فرقنا على مدار الساعة لمكافحة هذا الوباء. وتعمل منظمة الصحة العالمية مع حكومات ومؤسسات صناعية لزيادة إنتاج معدات الوقاية الشخصية. وشحنت المنظمة هذه المعدات الضرورية إلى 68 دولة، إضافة إلى 1.5 مليون مجموعة اختبار أرسلت إلى 120 دولة.
في غضون أسابيع، قتل هذا الفيروس الآلاف وأضر بالاقتصاد العالمي ودمر حيوات لا تحصى. نحن بحاجة لبذل أقصى ما بوسعنا كي نسبق «كوفيد - 19» بخطوة.
وعليه، فإن منظومة الأمم المتحدة توحد قواها لإطلاق خطة استجابة إنسانية كبرى لتمويل جهود مكافحة الفيروس في أكثر دول العالم عرضة للخطر.
سنوفر الاحتياجات الأساسية مثل معدات المختبرات للكشف عن الإصابة بالفيروس والمعدات الطبية اللازمة لعلاج المصابين. سنركب محطات لغسل الأيدي داخل المخيمات والمعسكرات، ونؤسس جسوراً جوية ومراكز عبر أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية لنقل العاملين بالمجال الإنساني والإمدادات إلى أكثر المناطق احتياجاً. وستطلق الأمم المتحدة حملات توعية عامة حول كيفية السلامة الشخصية وحماية الآخرين.
دعم هذه الخطة يخدم مصالحنا جميعاً. ونحن من جانبنا نطالب الحكومات بأمرين:
أولاً: توفير أقوى دعم لخطة الاستجابة الإنسانية العالمية تلك، ذلك أن الخطة ستنجح فقط إذا ما حظيت بالتمويل المناسب.
ثانياً: الإبقاء على تمويل خطط الاستجابة الحالية المرتبطة بالمجال الإنساني واللاجئين، خصوصاً أن سحب التمويل منها سيخلق بيئة خصبة لتفشي الكوليرا والحصبة والتهاب السحايا، ما يعرض مزيداً من الأطفال لسوء التغذية، ويمكن المتطرفين من فرض سيطرتهم. وفوق ذلك كله، سيوسع أرضية انتشار فيروس «كورونا».
أما عن التساؤل الذي يرغب كثير في شتى أرجاء الأرض بمعرفة إجابته: إلى متى يستمر هذا الوباء؟ فالحقيقة أننا في هذه اللحظة لا نعرف. فنحن ما زلنا في المراحل المبكرة من الوباء.
ومع هذا، يمكننا القول بكل ثقة إن مسار الوباء ستحدده الإجراءات التي تتخذها الدول والمجتمعات والأفراد.
سيستغرق الأمر وقتاً، وسيحتاج إلى التضامن والتنسيق، لكننا سننجح في مواجهة هذا الفيروس.
وفي خضم محاربتنا له، لا مجال لأنصاف الإجراءات. فـ«كوفيد - 19» يهدد البشرية جمعاء. وعلى البشرية جمعاء التصدي له.

* المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية – خاص بـ«الشرق الأوسط»