من المألوف أن نجد الكثيرين يسيئون فهم أو استعمال المثل القائل «الحديث ذو شجون». الشجن (بتسكين الجيم) هو الطريق وجمعه شجون، أي الطرق المتفرقة. أما الشجن (بفتح الجيم) فهو الحزن والهم والغصن الملتف المتشابك. وجمعه أشجان.
والمعني بالمثل «حديث ذو شجون» أنه الحديث الذي يجر إلى أحاديث ومواضيع أخرى وهو ما صوره الشاعر في قوله:
تذكر نجدا والحديث شجون
فحن اشتياقا والجنون فنون
ولعل من ذلك جاءنا المثل الآخر الذي يقول «الجنون فنون». وهو ما ذكرناه في مقالة سابقة. أما المثل الأول فيرجع إلى ضبة بن أد بن طابخة بن إلياس من مضر. وكان لضبة ولدان أحدهما سعد وثانيهما سعيد. وحدث له أن نفرت جماله في الليل فأرسل ابنيه لتجميعها وإعادتها. تفرق الولدان في البحث. فكان أن عثر سعد على الإبل وأعادها حيث يجب. في حين مضى سعيد موغلا في البادية يبحث عنها حتى لقيه الحارث بن كعب فلاحظ بردين يرتديهما سعيد فسأله الحارث أن يهديه أحدهما فأبى فاستل سيفه وقتله وأخذ البردين.
مرت الأيام حتى آن موسم عكاظ فقصده الحارث بن كعب لابسا البردين. فلمحه ضبة وعرفهما. فقال له: هل أنت مخبري؟ ما هذان البردان اللذان عليك؟ فقال: بلى، لقيت غلاما وهما عليه فسألته إياهما فأبى علي فقتلته وأخذت هذين البردين.
فقال له ضبة: بسيفك هذا؟ فأجابه بالإيجاب. فقال له: أعطنيه أنظر إليه فإني أظنه صارما. فأعطاه الحارث سيفه ليراه. ولما أخذه منه هزه في الهواء وقال: «الحديث ذو شجون» ثم ضربه به وقتله. وسارت كلماته في ذلك مثلا ردده بلغاء العرب. وكان منهم الفرزدق في قوله:
لا تأمنن الحرب إن استعارها
كضبة إذ قال الحديث شجون
ويقال إن ضبة هذا قد أرسل ابنيه في الظلماء، وجعل إذا رأى سوادا أو شبحا في الظلام أن يهتف قائلا: «أسعد أم سعيد»؟ فأرسلها بذلك مثلا لمن يريد أن يسأل إنجاحا أم خيبة. وهو ما نقوله في العامية بصيغة: «حمامة أو غراب»؟ ومن الأمثال التي ركبت على مثل ضبة الآنف الذكر قول زياد بن أبيه في خطبته الشهيرة بالبتراء: «انج سعد فقد هلك سعيد».