مها محمد الشريف
كاتبة سعودية مختصة بقضايا الشرق الأوسط والعالم، كتبت في العديد من الصحف الرسمية السعودية وصحيفة «الرؤية» الإماراتية، وتكتب بشكل دائم في صحيفتَي «الجزيرة» و«الشرق الأوسط». لها اهتمامات بالرسم والتصميم الاحترافي.
TT

كابوس «كورونا» يخيّم على العالم

الآن، وبعد أنْ أودَى فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) بحياة الآلاف من الأشخاص حول العالم، بحلول شهر مارس (آذار)، حيث بدأت الإصابة في الصين تدريجياً منذ ظهوره في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأوضحت وكالات الأنباء العالمية أنه تم تسجيل أكثر من 155 ألف إصابة في 140 دولة منذ ظهور الوباء، والأرقام ما زالت تتضاعف، إذ تعتمد بعض الدول سياسة فحص ومعايير إحصاء محدودة نوعاً ما وسجلت بعض الدول إصابات جديدة في العالم. ودول أخرى سجلت أكبر عدد وفيات خلال 24 ساعة في تتبعها للحالات الموجودة فيها.
لذلك نقول لقد اصطدمت الحقائق بالواقع، ونتج عنها انفجار عظيم وسط البر والبحر والجو، تساقط على أثرها الكثير من المصابين في ساحة الوباء، وبذلك يكون تقدير الأعداد نسبة وتناسب لكل دولة حسب انتشار الفيروس وجاهزية هذه الدولة لمكافحة العدوى واستعداداتها الصحية، حيث بدأ توافد القلق إلى كل الأنحاء وألقى بظلاله القاتمة على الأسواق البورصات العالمية والعربية والخليجية وسجلت خسائر كبيرة.
فعلى الرغم من أن العولمة تعني عالمية الأشياء أثقافية كانت أم اقتصادية، وانفتاح الدول بعضها على بعض، فإن معضلة العولمة أظهرت قدرتها على إلغاء الامتيازات الخاصة الممنوحة لبعض الدول، وكان الانتقال إلى مرحلة جديدة قد دفع العالم تكلفتها اعتباراً من عالمية العدوى والأمراض وانتشار الأوبئة بسرعة فائقة، حيث بلغت مستويات متباينة بين الدول في الإصابات والوفيات، وتصدرت الأشياء المؤثرة في مقدمة الأحداث بمعايير تقريباً موحدة، ولم توجد لها طرائق جديدة للتفكير في تداعياتها، بالإضافة إلى شذرات من النصائح هنا وهناك، لكي تتفادى الجوانب السلبية والثغرات في البنود.
لكنَّ هناك ما هو أكثر من ذلك، فعام 2020 بدأ بكارثة صحية أوقفت معظم الخدمات في الدول، ومعايير السلامة فيها ارتهنت باستعدادات ضخمة لمواجهة الوباء، لأن العالم أصبح قرية صغيرة حتى باتت الأوبئة تنتشر بين الناس، وخاصة في المدن المكتظة، والأثر طال الجميع من دون استثناء، وهي في الحقيقة تزيد من ضريبة العولمة.
إننا جميعاً ندرك مدى خطورة انتشار الفيروس والتدابير المسجلة من منظمة الصحة العالمية، وتحدد هذا الأمر على إمكانيات واستعداد الدول، وفي المملكة العربية السعودية سلسلة إجراءات استباقية لمواجهة المخاطر المحتملة للفيروس منذ بدأ انتشاره في الصين، ومنها إلغاء تأشيرات السفر إليها لأغراض العمرة وزيارة المسجد النبوي والسياحة مؤقتاً، ومنعت مواطني دول مجلس التعاون من دخول المملكة بشكل مؤقت، وإغلاق المؤسسات التعليمية بجميع مراحلها، ونفذت وزارة الصحة العديد من الإجراءات الاحترازية المشدّدة للتصدي للفيروس، بما يتوافق وضرورة الالتزام ويحد من انتشاره، وتعزيز إجراءات الرصد والمراقبة في منافذ الدخول للمملكة وكثير من الإجراءات الوقائية المكثفة.
هكذا تكون الحكومة اليقظة، إذ لا تنفك تحمي مصلحة مواطنيها وتوفر لهم الحاجات اللازمة، وتحقق لهم عيشاً كريماً وحياة آمنة. بينما بعض الدول خذلت شعوبها، ودفنت شفافيتها مع ضميرها مثل إيران، رغم انتشار الفيروس بشكل كبير حيث تجاوز عدد الوفيات 4500 شخص، وأشار وزير الصحة الإيراني علي رضا وهاب إلى أن 13938 شخصاً تقريباً، أصيبوا في أنحاء البلاد، وفي الوقت ذاته استقبلت المسافرين إليها من دول الخليج، ولم تختم جوازات سفر السعوديين ما يحمل على القلق، حيث يعتبر سلوكاً غير مسؤول، وذلك بعد اكتشاف 5 إصابات بفيروس كورونا لمواطنين سعوديين قادمين منها.
ومهما كان صبر الإنسان على التقلبات، فلا بد أن يدرك حدود العقل.
ولعل ما يحدث في العالم اليوم يبدو فعلاً طبيعياً لتفريق الناس لا تقريب بعضهم من بعض، ليكون التعاضد ضد الأزمات في الحفاظ على الشروط والواجبات المطلوبة لاحتواء الأزمة الصحية التي خلفها الوباء والسيطرة عليه، والتعايش مع الظرف الراهن وإضفاء مزيد من المرونة لجعل الأفكار تبدو ملموسة، وكأنها تغطية للوقت الضائع من كل يوم، في خضم هذه الإغلاقات للمرافق الحيوية والخدمية في الدول والقطاعات الأكثر أهمية والامتثال إلى أوامر ونصائح السلطات في كل دولة لمواطنيها.