صلاح دياب
- كاتب مصري
TT

قصتي مع نادي كتاب

قبل نحو 15 سنة، زجت بي شقيقتي، الأستاذة بكلية «الاقتصاد والعلوم السياسية»، إلى مجموعة لـ«نادي الكتاب»، تتكون من نحو 10 أفراد من «خلاصة المثقفين» -وفق تقديري. وكان مطلوباً منا أن نقرأ كتاباً مختاراً كل 15 يوماً، ثم نناقشه فيما بيننا في جلسة محددة المدة: من السابعة إلى التاسعة.
أصبحت أبذل مجهوداً كبيراً قبل كل جلسة مناقشة، وكأنني على وشك الدخول في امتحان، فأتأكد من أنني أنجزت فروضي، وقرأت الكتاب محل المناقشة. والجلسة يستضيفها شخص مختلف من المجموعة في كل مرة. وإذا كان الكتاب محلياً، نجتهد ليكون معنا كاتبه. كما نسعى لحضور الدكتور صلاح فضل، الناقد الأدبي الكبير، ليشاركنا الجلسة.
مرّت علينا مؤلفات عدة، منها الكتاب الأول للمحاضر بقسم التاريخ في الجامعة العبرية بالقدس، يوفال نوح هراري، وهو من مواليد حيفا عام 1976. أما الكتاب الصادر عام 2014، فهو يتحدث عن تاريخ الجنس البشري من وجهة نظر داروينية.
مقدمة الكتاب تبدأ هكذا: «منذ 13.5 مليار عام مضى، ظهرت الطاقة والزمن والفضاء ليحدثوا الصدمة الكبرى. وعناصر الكون هي ما نسميه (الفيزياء). وبعد ذلك بثلاثمائة عام، بدأ التمازج بين المادة والطاقة لخلق ذرات تتوحد في أشكال مختلفة مكونة جزيئات، وهذه التفاعلات توصف بـ(الكيمياء). والجزيئات توحدت بأشكال وأنواع لتصبح تكوينات مختلفة متعددة، وقصة هذه التكوينات هي علم (الأحياء)».
ويواصل الكاتب: «منذ نحو سبعين ألف عام، الجزيئات كونت ما نعرفه بـاسم (الكائن البشري). أما التطور الذي ألمّ بهذا الكائن البشري عبر العصور، فهو ما نسميه (تاريخ). وقد رسمت ثلاث ثورات كبرى شكل (التاريخ). فكانت الأولى عندما تم خلق الكائن البشري؛ والثانية منذ نحو 12 ألف عام، وهي (الثورة الزراعية)؛ أما الثالثة فحدثت منذ 500 عام، وهي (الثورة العلمية)».
وأثمرت الثورة الثالثة مراحل أخرى، منها «الثورة الصناعية» التي أدَّت إلى ما نعيشه الآن من تغيير كامل في نمط الحياة، ممثلاً في «الثورة التكنولوجية». وهذه الأخيرة التي يمكن بها -إذا ما تطورت- إنهاء التاريخ تماماً.
الكتاب الثاني لهراري تناول مآسي البشرية، وما يهدد مستقبلها، متحدثاً عن «المهارات اللازمة لدخول القرنين الثاني والعشرين والثالث والعشرين»، وكان مما قاله فيه: «مسكين الجنس البشري هذا؛ يواجه ثورات غير مسبوقة، كل ثوابته تنهار يوماً بعد يوم. كيف نعد أنفسنا وأولادنا لعالم حافل بكل هذه التحولات، بكل ما هو غير مؤكد. إن طفلاً يولد اليوم، سيكون في عام 2050 في سن 30 عاماً. وإذا مضى كل شيء على ما يرام، سيظل في الوجود حتى عام 2100. هنا سيكون مواطناً ناشطاً في القرن الثاني والعشرين».
التساؤلات لا تتوقف من قبل هراراي، ومنها: «ماذا علينا أن نعلم هذا الطفل حتى يكون نافعاً عام 2050... أو حين يصل به العمر إلى القرن الثاني والعشرين؟ ما المهارات التي علينا أن ندربه عليها حتى يفوز بعمل، أو ليفهم العالم الجديد من حوله، وحتى يكون مؤهلاً لعالم لا نعلم عن حاله شيئاً؟».
الكتاب الثالث والأخير، بعنوان «21 درساً للقرن الواحد والعشرين»، لا يخاطب التاريخ أو المستقبل، بل يخاطب الحاضر.
ومن أكثر ما ساهم في ذيوع صيت وشهرة هذا الكاتب تعليقات مجموعة من المشاهير، ومنهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حين سألوه: ماذا تقرأ بعد أن تركت الحكم؟ فأخبرهم عن كتاب هراري. كما أبدى مؤسس «مايكروسوفت»، بيل غيتس، انبهاره بالكاتب نفسه، وتحدث عنه كثيراً.
خلال جلستنا الأخيرة، ناقشنا إصدار هراري الأحدث، وتعرّض الكتاب لنقد حادٍ من أعضاء النادي، إذ قالوا إن «الكتاب يكاد يكون ألّفه الناشر، والدافع إليه أن كتب (هراري) من أكثر الكتب مبيعاً في العالم، وقد اعتمد الرجل في أحدث إصداراته على جمع معلومات، معظمها موجود على الإنترنت».
ولفت نظري في بداية الكتاب الإهداء الذي وجهه إلى زوجهِ إيزاك المثلي، لثقته وعبقريته، ثم إلى أمه بنينا، لدعمها، ولجدته فاني.
وفي كتابه الأخير الذي كان محل قراءتنا، اكتشف هراري وهو يتناول ما يحدث في العالم الحاضر أن مشاغل الناس اليومية باتت هي: السعي وراء الرزق، أو العلاج أو العناية بمريض، وأحياناً الهروب من بلدهم على مركب في البحر المتوسط وهم لا يهمهم إلا رؤية أول جزء من اليابسة التي يهربون إليها... لن يفكر أحدهم في التغير المناخي الذي يجتاح العالم مثلاً، ولن ينشغل أحد بالتطورات التي تطرأ على أشكال الديمقراطية في العالم، فتغريدات دونالد ترمب لا تعنيهم.
ولا يعتقد هراري أن إنسان اليوم سيتطرق في مشكلاته لأسئلة مثل: أي ثقافة ستسود العالم: ثقافة الغرب أم ثقافة الصين أم ثقافة الإسلام؟ فمعظم الناس يرون ذلك ترفاً لا تسمح به الحياة... لا أحد تشغله الأمراض أو الأوبئة التي تنتشر في العالم؛ الاحتياجات والتفاصيل اليومية هي جُل اهتمامهم. بالنسبة لهم، هي معركة تبقيهم على قيد الحياة.