رانيا نشار
رئيسة مجلس سيدات الأعمال، مجموعة الأعمال السعودية (B20)، والرئيس التنفيذي لمجموعة «سامبا» المالية.
TT

إطلاق العنان لإبداع المرأة السعودية في مجال الأعمال

يشكّل انخراط «المرأة في مجال الأعمال» قضية عالمية حيوية، ذات أبعادٍ اجتماعية واقتصادية مهمة، الأمر الذي يمنحها صفة الأولوية التي تستدعي تبني إجراءات عملية بشأنها، مع ما ينطوي عليها من جوانب مهمة ترتبط بالقيود المفروضة على فرص الارتقاء الوظيفي للمرأة في مواقع عملها، والتحديات والعقبات التي تواجه ريادة المرأة للأعمال، إلى جانب تواضع مشاركاتها المهنية في ميادين العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات وصولاً إلى مختلف القطاعات الأخرى.
وتشير الدراسات إلى العلاقة الطردية القوية التي تجمع بين نسب توظيف الإناث، ونمو معدلات الناتج المحلي الإجمالي، مع تحسّن نتائج الأعمال التجارية (بما في ذلك مؤشرات الإنتاجية والربحية والابتكار) وذلك في مواقع الأعمال التي تحظى بتمثيل جيد للمرأة. وعلى نحو مغاير؛ فإن الحواجز التي تَحول دون دخول المرأة إلى سوق العمل، تعد دافعاً لزيادة معدلات البطالة والفقر، بل من الممكن أن تؤثر سلباً على مؤشرات الناتج والنمو، حيث تقدّر الأبحاث التي أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن الفجوة بين الجنسين تكلّف الاقتصاد نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومما لا شك فيه أن انعدام المساواة والعدالة في الأجور بين الجنسين، يشكّل واحداً من الفوارق المجحفة الأكثر إلحاحاً وإحباطاً. فوفقاً لدراسة أجرتها شركة أكسنشر (Accenture)، فإن النساء في جميع أنحاء العالم لا يزلن يكسبن أقل بنسبة 63% من الرجال. ومن منظور اجتماعي اقتصادي، فإن انتفاء المساواة والتكافؤ في الأجور يمكن أن يمتد أثره ليعمّق من عدم المساواة الاجتماعية، والتي إن تُركت دون معالجة، فإنه من الممكن أن تزيد من التأثير السلبي على المستهلكين وعلى تنمية الأعمال.
كما أن المرأة أقل حضوراً في وظائف المستقبل، حيث إن التقرير العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2020 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يشير إلى نقص كبير في تمثيل المرأة في ميادين (العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات)، إذ تشغل النساء أقل من 20% من الأدوار الوظيفية في مجالات الحوسبة السحابية والهندسة والبيانات والذكاء الصناعي.
وكثيراً ما تحول شروط التوظيف والثقافات المحلية دون بقاء المرأة في العمل، حيث إن الكثيرات يتركن وظائفهن ويغادرن سوق العمل للوفاء بمسؤوليات الرعاية المنوطة بهن، مما يقلل من قاعدة المواهب والمهارات النسائية التي يحتاج أصحاب العمل إلى الاستفادة منها.
فعلى سبيل المثال، تقدر «أكسنشر» أن النساء يضطلعن بنسبة 76.2% من جميع ساعات العمل غير المدفوعة الأجر في مجال الرعاية على الصعيد العالمي (أكثر من ثلاثة أضعاف ما يقوم به الرجال)، حيث تقدر قيمة الأعمال غير مدفوعة الأجر التي تقوم بها النساء بنسبة 39% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
إن ثقافة التنوع والمساواة لهي من العوامل القوية المعززة للابتكار والنمو. ووفقاً لمنظمة العمل الدولية، تؤكد ثلاث من كل أربع شركات، أن مبادرات التنوع بين الجنسين تحقق زيادة في الأرباح بنسبة تتراوح بين 5 و20%، وهذا الأمر يوضح للشركات الأقل تنوعاً القيمة التي قد تشكلها المرأة لأعمالهم.
وفي السياق ذاته؛ فإن حضور النساء في المناصب العليا يتقدم بوتيرة بطيئة، حيث تغيرت نسبة النساء اللواتي يتقلدن مناصب في الإدارات العليا بنحو 8% فقط على مستوى العالم، ارتفاعاً من نحو 21% في عام 2012 إلى 29% في عام 2019، وهذه النسبة أقل من 30%، وهي نقطة التحول التي من المتوقع أن يبدأ عندها تحقيق التكافؤ بين الجنسين. وفي عام 2019، كان هناك فقط 33 رئيساً تنفيذياً من النساء ضمن قائمة الـ500 رئيس تنفيذي الصادرة عن «فورشن».
إن محدودية حضور النساء في المناصب القيادية من شأنها تعريض المنشآت لتفويت القدرات العقلية الموهوبة والأفكار الجديدة التي تأتي من التنوع في القيادة. وقد أظهرت الأبحاث التي أجرتها «أكسنشر» أنه في بيئات العمل المتساوية التي تمكّن النساء، فإن الأمر لا يقتصر على احتمالية تقدم النساء لأكثر من أربعة أضعاف فحسب، بل إن الرجال أيضاً يستفيدون ويرتقون بشكل أسرع. ويقدر تحليل مجموعة «بوسطن الاستشارية - BCG» أنه في حال تساوي النساء والرجال في جميع أنحاء العالم كرواد أعمال، فإن الناتج المحلي الإجمالي العالمي قد يرتفع في النهاية بنسبة 3% إلى 6%، مما يعزز الاقتصاد العالمي بمقدار 2.5% إلى 5 تريليونات دولار.
وعلى الرغم من التحسّن الذي طرأ على ظروف حضور النساء في قطاعات الأعمال خلال العقدين الأخيرين، فإنه يتعين على الحكومات والشركات اتخاذ إصلاحات وإجراءات أكثر سرعة وفاعلية للحصول على الفائدة الكاملة المنشودة.
كما يتوجب القضاء على العوائق وتذليل التحديات التي تَحول دون عمل المرأة وتقدمها في المناصب القيادية، مع زيادة الدعم خلال التحولات في الحياة العملية. ويشمل ذلك الإجراءات التي تساعد على بناء المهارات الأساسية مثل المهارات في المجالات الرقمية والعلوم والتقنية والهندسة والرياضيات لوظائف المستقبل، وتعزيز الثقافات التي تمكّن المرأة من تنمية مسيرتها المهنية.
كما يتعين على الحكومات بشكل خاص ألا تفوّت فرصة بناء المسارات الوظيفية للشابات التي ما زالت تمثل مشكلة رئيسية في معظم الدول. وينبغي في هذا الإطار تعزيز الإطار القانوني وتوسيع نطاقه ليشمل الاندماج المالي والاجتماعي والتعليمي والثقافي.
وبالإضافة إلى قوانين مكافحة التحرش أو التمييز، فإنه يجب أن تشمل القوانين مكافحة التنمر والعنف المنزلي اللذين يشكلان عوائق كبيرة أمام النساء، وبما يمكّن بالتالي من الاستفادة من إمكانياتهن بشكل كامل.
أما بالنسبة إلى تحقيق العدالة والتكافؤ في الأجور، فإن ذلك يأتي من خلال تفعيل تطبيق مبدأ المساواة في الأجور، ومكافحة الفصل في المهن والقطاعات ورصد المبادرات لمكافحة التمييز في درجات التوظيف، والقضاء على النمطية، وزيادة الشفافية حول الفجوة في الأجور.
من ناحية أخرى، فإن زيادة المنشآت المملوكة من قِبل النساء تقتضي اتخاذ تدابير خاصة بالسياسات المالية وغير المالية. ويمكن للشركات الكبيرة أن توسع علاقاتها التجارية مع المنشآت المملوكة للنساء، بما في ذلك الشركات الصغيرة ورائدات الأعمال.
كما يتعين على مؤسسات القطاعين العام والخاص أن تطلق العنان لإحراز تقدم وتمكين العنصر النسائي من الاضطلاع بأدوار قيادية من خلال الإصلاحات وتعزيز بيئة عمل شاملة وتشجيع طرق جديدة للعمل بما في ذلك المرونة في العمل.