طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الجريمة والعقاب من «برلين» إلى «القاهرة»

«الزمن بينسي حزن وفرح ياما»، هكذا رددت أم كلثوم في رائعتها «فات الميعاد»، كانت «الست»، تعبر قطعاً عن مشاعر الملايين التي تحيل النسيان إلى نعمة، الإنسان قد يتسامح مع من أساء إليه، ولكن الضمير الجمعي للبشر لا يغفر كل الجرائم، عدد منها يظل لصيقاً بصاحبه، وهكذا مثلاً مهرجان «برلين» في دورته السبعين، قررت إدارته إلغاء جائزة «ألفريد باور» التي كانت تحمل اسم مؤسس ورئيس المهرجان، والذي تحمل المسؤولية خمسة عشر عاماً، ولهذا منذ وفاته عام 86 خلدوا اسمه بجائزة، تُمنح مقترنة بـ«الدب الفضي»، ويحصل عليها الفيلم الذي يفتح آفاقاً جديدة للتعبير، قبل 36 ساعة أسدل الستار عن المهرجان وأعلنت تلك الجائزة خالية من اسم «ألفريد باور».
الغضب اندلع عندما نشرت جريدة ألمانية وثيقة تؤكد أنه كان يتولى منصباً قيادياً في شركة سينمائية أنشأها رئيس الدعاية النازية جوزيف جوبلز عام 42.
مشهد آخر تذكرته قبل نحو 20 عاماً مع المخرج الأميركي الكبير إيليا كازان، صاحب أفلام مثل «فيفا زباطا» و«عربة اسمها الرغبة»، و«شرق عدن»، وغيرها، حصل المخرج على جائزة «الأوسكار» التذكارية، وفي مسرح «كوداك»، أثناء تسلمه الجائزة انقسم الجمهور ما بين الاستحسان والاستهجان، لأنهم اكتشفوا ماضيه الملوث في الخمسينيات أعقاب الحرب الباردة الأميركية الروسية «الاتحاد السوفياتي» سابقاً، حيث ظهر ما يعرف بـ«المكارثية»، نسبة للسيناتور الأميركي «جوزيف مكارثي»، حيث كان يستعين ببعض الفنانين لإفشاء أسرار زملائهم، لمعرفة هل لديهم ميول شيوعية ؟، ومن بعدها يتم اتخاذ إجراءات تعسفية ضدهم، حتى لو كانت مجرد شائعات، مثلما حدث مع شارلي شابلن الذي حاصروه بهذا الاتهام الظالم.
قبل يومين أشارت جريدة «الشرق الأوسط» إلى أن نجم الأوبرا الإسباني بلاسيدو دومينغو اضطر لإلغاء حفلاته القادمة في (مدريد) بعد إقراره بالتحرش الجنسي قبل 20 عاماً، وهكذا دفع الرجل الذي يقف على مشارف الثمانين الثمن، ولم يشفع له لا سنه ولا اعترافه واعتذاره وندمه، لأن مثل هذه الجرائم لا ينهيها أبداً الندم.
لدينا عشرات من الجرائم الأخرى مثل الاغتصاب والتحرش، وهكذا صار الخبر الذي يلاحق دائماً المخرج البولندي رومان بولانسكي، ويحول دون حصوله على أي تكريم أو المشاركة في لجان التحكيم، جريمة اغتصاب قاصر التي ارتكبها قبل أكثر من 40 عاماً، سامحته الضحية، ولم يسامحه القانون أو المجتمع، بمجرد أن يعلن عن اسمه، نرى العديد من الجمعيات والهيئات تعترض، وعلى الفور يتم سحب التكريم.
جوني ديب، الذي كان حاضراً مع فيلمه «مينا ماتا» في مهرجان (برلين)، رفض الحديث عن مشكلات قضائية بينه وبين طليقته التي تتهمه بالاعتداء عليها، بينما هو على الجانب الآخر يؤكد أنها كانت تعامله بعنف، في كل الأحوال القضية في المحاكم ولم يتلق بعد جوني حكماً قاطعاً بالإدانة، أتصور لو واجه حكماً نهائياً، فسوف ينعكس ذلك سلباً على وجوده في أي مظاهرة جماهيرية.
قارنوا ذلك بما يجري عندنا، تابعنا حكاية النجم الشهير الذي أقسم في كل أجهزة الإعلام أن ابنيه ليسا ابنيه، بينما القضاء أثبت البنوة، ويحملان رسمياً في شهادة الميلاد اسمه، بينما هو لا يزال مصراً على الإنكار، لم يواجه النجم بأي عقاب اجتماعي، بل العكس هو الصحيح، صار هو صاحب الرصيد الأكبر في الإقبال الجماهيري وصاحب الأجر الأعلى بين كل النجوم!!