يشير التراجع الحاد في الأسواق الآسيوية والعقود الآجلة للأسهم الأميركية المسجل أول من أمس (الاثنين)، إلى أن المستثمرين شرعوا في الانتباه إلى حالة الانفصال الواضحة بين التأثير المتسع لفيروس «كورونا» وآمال التعافي المرتفعة.
وهي الفجوة التي ظهرت بصورة خاصة في أسهم المعادن. وتستأثر الصين، التي لا يزال جانب كبير من اقتصادها الوطني في مأزق كبير، بنصف طلبات العالم على المواد من خام الحديد وحتى النحاس. الأمر الذي يجعل هذا القطاع معرّضاً بصورة كبيرة للتباطؤ الناجم عن انتشار فيروس «كورونا»، ومقياساً جيداً لمدى انعكاس واقع النشاط الاقتصادي في الأسواق المالية. والإجابة عن ذلك: ليس كافياً.
ومع مواصلة بعض المصانع والمصاهر الكبيرة العمل، فإن النقل المعطل والعمالة الغائبة تعني ركوداً واضحاً في الطلب المادي على المنتجات. وتعد المخزونات المحلية من كل شيء من الصلب وحتى النحاس، كبيرة. وحسب خبراء الاقتصاد في شبكة «بلومبرغ» الأسبوع الماضي، فإن ثاني أكبر اقتصاد على العالم كان يعمل بنسبة تتراوح بين 50 إلى 60% من طاقته الاستيعابية في الأسبوع المنتهي بتاريخ 21 فبراير (شباط). وهذا معدل أفضل من الأسبوع السابق، ومن شأنه أن يتحسن خلال الأيام القادمة. ومع ذلك، فهو يشير إلى الوضع الذي يصعب عنده تحديد مستوى الأسهم في شركات التعدين مثل (BHP)، و(Rio Tinto)، وغيرها من الشركات.
وتراجعت أسهم التعدين الرئيسية كافة تقريباً بعد أدنى مستوياتها في فبراير، حيث انخفضت أسهم (BHP) وغيرها من الشركات لأدنى من ذلك يوم الاثنين. واستمرت أعلى من مستوياتها المسجلة في العام الماضي، عندما شاعت المخاوف الكبيرة في الأسواق بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين. حتى عقود النحاس الآجلة في بورصة لندن للمعادن قد تراجعت، والتي تعكس الثقة في الاقتصاد العالمي بدلاً من الطلب المادي فقط.
ولا يتعلق الأمر بتجاهل المستثمرين للمخاطر. فهناك دلائل على وجود حالة من التوتر في أصول الملاذ الأخير مثل الذهب، والذي ارتفع لمستوى 1600 دولار للأوقية خلال الأسبوع الماضي. كما تراجعت العائدات على سندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل. وتنبثق التعليقات المتشائمة من الكثير من المديرين التنفيذيين للشركة.
ويبدو أن المستثمرين كانوا يراهنون على ثلاثة أمور: أولاً، نجاح جهود احتواء فيروس «كورونا» في الأسابيع المقبلة. ثانياً، إطلاق بكين للمحفزات المالية والنقدية الضخمة. وأخيراً، انعكاس الطلب المتراجع بسبب تفشي الفيروس، ولن يجري فقدانه مرة أخرى ببساطة. ومما يؤسف له، أنه لا شيء من هذه الأمور يتسم بالتأكيد واليقين.
وبالنسبة إلى المعادن وتقييمات الأسهم للمنتجين، فإن الأيام القادمة تعد حاسمة للغاية، حيث سيتضح عدد العمال الذين غادروا الحجر الصحي، ومقدار تحرك الحكومة الصينية لإعادة تشغيل خطوط الإنتاج المتوفقة. وحتى الآن، لا يزال عدد الأفراد الذين يستخدمون أي وسيلة من وسائل النقل يشكّل جزءاً بسيطاً مما كانت عليه الأمور قبل عام من الآن، وفقاً لشبكة «بلومبرغ» الاقتصادية.
وهناك مخاطر حتى وإن عاد الناس إلى العمل. فمن الصعب أن توفر أقنعة الوجه ومواد تعقيم الأيادي الحماية اللازمة في مشروعات البناء، والتي ربما قد تصل إلى بدايات فصل الربيع المقبل، وتلحق الأضرار بصناعات الصلب والمكونات الأساسية مثل الحديد الخام. لا تزال أسعار الصلب المحلية المستخدمة في التصنيع والبناء عند أدنى مستوياتها منذ نحو 3 سنوات. وقالت شركة (BHP)، التي تتوقع وصول الناتج المحلي الإجمالي الصيني الحقيقي إلى نسبة 6% لعام 2020، إنها سوف تراجع التوقعات الراهنة إذا لم تعد مشاريع البناء والصناعات التحويلية إلى أوضاعها الطبيعية في أبريل (نيسان) المقبل.
إن الآمال المعقودة على وجود محفزات كبيرة من بكين، والتي تدعم الكثير من انتعاش أسواق الأسهم بالنسبة إلى عمال المناجم والتعدين، تتوافق بشكل كبير مع ما قالته الصين ونفذته بالفعل. وهناك بالفعل تسهيلات نقدية وأشكال أخرى من الدعم، ومن المساعدة في مستحقات الضمان الاجتماعي للشركات الصغيرة من أجل العمل في بعض المحافظات الصينية. ولكن ما زال من غير الواضح الصورة التي سوف يتخذها الجانب الأكبر من المحفزات المالية، ومدى ثقلها وأهميتها في قطاعات مثل التطوير العقاري، حيث لا تزال الحكومة حذرة للغاية من الفقاعات. وتدرك الصين على نحو جيد أيضاً أن الإسراف في الديون لتحريك الاقتصاد سوف يعني المزيد من الآلام في المستقبل غير البعيد. وهو الأمر الذي يخلق الكثير من عدم اليقين المصاحب له.
وسواء نجحت الصين في احتواء الفيروس من عدمه، فمن الصعوبة الوقوف على ذلك لبعض الوقت، وليس أقلها اعتبار التغييرات الصينية في أسلوب الإبلاغ عن الحالات المصابة. ومن غير الواضح ما الذي سوف يحدث بمجرد إعادة فتح المناطق المعزولة في الصين، على اعتبار أن الأوبئة من الممكن أن تكون لها أكثر من فترة واحدة للشيوع والانتشار. كذلك، لم يتم من قبل اختبار الحجر الصحي الجماعي الشامل على هذا المستوى في عصر سلاسل التوريد من قبل. وافتراض ارتداد كل شيء سريعاً إلى سابق عهده هو من الآمال المتفائلة للغاية. حيث إن ظهور مجموعات كبيرة خارج منطقة هوبي الصينية، وخارج الصين كذلك في كوريا الجنوبية وإيران وإيطاليا، من الأمور المثيرة للكثير من القلق لدى الجميع.
ثم هناك طلب حالي على كل شيء من غسالات الملابس وحتى ماكينات إعداد القهوة، والمنتجات ذات الأسعار المرتفعة مثل السيارات، حيث انخفضت المبيعات بنسبة 92% في النصف الأول من فبراير. ومن غير الواضح المقدار الذي سوف يجري تأجيله. وحالة عدم اليقين الاقتصادي الأساسية باتت أكبر مما كانت عليه عند اندلاع وباء «سارس» في عام 2003 عندما حقق النمو انتعاشاً سريعاً.
ويجعل كل هذا من أسهم التعدين، وأسواق الأسهم الأوسع نطاقاً، أكثر ارتفاعاً. وإبان اندلاع وباء «سارس»، تراجعت أسواق هونغ كونغ بنسبة الثلث تقريباً من أعلى مستوياتها المسجلة في عام 2002 إلى أدنى المستويات في عام 2003. وهذه المرة، تراجع مؤشر «هانغ سينغ»، مع مختلف مكوناته، بنسبة 6 نقاط مئوية فقط من أعلى نقطة مسجلة قبل اندلاع وباء «كورونا» الحالي في عام 2020، وذلك اعتباراً من يوم الجمعة الماضية. وربما تنقشع تلك السحابة القاتمة فوراً. ولكن حتى الآن، لا تزال المخاطر تتعلق بالجوانب السلبية المعروفة.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»