ليونيل لورانت
كاتب من خدمة «بلومبيرغ»
TT

انعكاسات «بريكست» ستكون سلبية على لندن

هل تذكرون تلك الفترة التي عانت فيها الأسواق من القوانين المالية السيئة؟ القوانين التجارية الحالية أشبه ما تكون بالاستفزازات العسكرية التي يشهدها العالم في القرن الحادي والعشرين.
فرغم أن الولايات المتحدة كانت دوماً المحرض الرئيسي خلال العقدين الماضيين بوضعها العراقيل والحواجز العالية التي أعاقت نفاذ العديد من الدول إلى الأسواق الخارجية، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدا كأنه قد غيّر من هذا الواقع بعض الشيء.
فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى تسهيل دخول الشركات البريطانية إلى سوقها الموحدة شأن شركات أي دولة عضو في الاتحاد شريطة التزامها بمعاييرها التنظيمية الصارمة. وفي الوقت ذاته، تتطلع بريطانيا إلى العكس: أن تتم معاملتها بوصفها الدولة صاحبة التصنيف المالي الأول في أوروبا وجعلها تتخطى القوانين الصارمة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.
الخلاف يبدو مزعجاً وغير ذي جدوى لدرجة أن وزير الخزانة البريطاني ساجد جاويد، دخل في نزاع حاد بشأن وضعية العاصمة لندن وتمنى وضع نهاية لهذا الجدل.
على أقل تقدير، فإن موقف بريطانيا الذي تتزعمه وزارة الخزانة وبنك إنجلترا يبدو محيراً. ومن الواضح أن الموقف التفاوضي المعلن بأنه ينبغي منح المملكة المتحدة حق الدخول «الدائم» إلى سوق الخدمات المالية للكتلة في إطار نظام التكافؤ التنظيمي للاتحاد الأوروبي لن ينجح أبداً. وحتى الولايات المتحدة لم تطلب ذلك من قبل.
كذلك سارع ميشيل بارنييه، مفاوض بروكسل بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى إلغاء اقتراح أن يترافق طلب المعاملة الخاصة مع طلب صريح بألا تكون بريطانيا أبداً الجهة المتلقية للتعليمات من بروكسل، وبالتالي يحق لها الاحتفاظ بحقها في تنظيم شركاتها المالية بالطريقة التي ترغبها. بالفعل بدا ذلك الأمر محيراً بالنظر إلى أن المملكة المتحدة تفيد بأنها لا تعتزم التراجع عن مستوى الروتين حتى الآن، وتريد لندن منحها حق النفاذ الدائم إلى أسواق الاتحاد الأوروبي والامتثال التنظيمي الكامل من بروكسل.
إن مبدأ «خذها كلها أو ارفضها كلها» لَدليل على أن المملكة المتحدة هي الشريك الأقوى، وأنها ستسعد لو أنها خرجت من دون إبرام صفقة. وربما هذا ليس ما تريده معظم الشركات البريطانية، حيث أفاد الرئيس التنفيذي لشركة «هيرمس لإدارة الاستثمار» صقر نسيبة، بأن الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي ليس بالأمر السيئ حال كان ذلك يعني مشاركة معايير دقيقة عبر عدة ولايات قضائية. وقال في تصريح لـ«بي بي سي»: «عندما أصعد على متن طائرة، أشعر بسعادة غامرة للامتثال لقواعد سلامة الطيران». وأضاف أن «المنطق السليم» يعني الالتزام بالتعامل مع الأسواق المختلفة والتقيد بقواعدها أيضاً. حسب مركز «نيو فاينانشيال» للأبحاث، لا يمكن إعفاء بروكسل من اللوم في هذا النزاع. فمثلما أن للندن قضية تثيرها، فقد استخدم الاتحاد الأوروبي في الآونة الأخيرة سياسة التكافؤ كسلاح عندما سحب إمكانية الدخول إلى أسواق سويسرا العام الماضي للضغط للحصول على تنازلات بشأن تجارة أوسع نطاقاً. وحسب شركة «بوفيل» للخدمات المالية، فإن هناك حالة من عدم اليقين حول كيفية تنظيم الاتحاد الأوروبي لعملية دخول الأسواق أيضاً، إذ إن تدفق الأعمال لا يسير في اتجاه واحد فقط؛ فمدينة لندن هي أهم مركز مالي في أوروبا وستظل كذلك في المستقبل المنظور. ونظراً إلى ذلك، تتطلع أكثر من ألف شركة مالية إلى إنشاء مكاتب في المملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ومع استمرار هذه المعركة، ازداد استعداد الشركات للتحوط في رهاناتها وفي تغطية تكاليف الارتباك التنظيمي الناتج عن «بريكست». فقد أعلن «بنك N26» الألماني المتنقل الأسبوع الجاري، أنه سيتخلى عن سوق المملكة المتحدة، في إشارة إلى أن شركات التكنولوجيا قد تكون أقل استعداداً للانتظار ورؤية الشركات الكبيرة.
ولصالحهم، على الساسة العمل حثيثاً وبسرعة لإيجاد حل وسط. وفي هذا الصدد، قال ستيوارت وينشتاين، الأستاذ بكلية أستون للأعمال، إن كلا الجانبين قد يخفّف من مواقفه، فالمزيد من التعاون والحوار الأوثق فيما يتعلق بالإطار التنظيمي لكل جانب قد يهدّئ مخاوف لندن من التوافق على كلا الجانبين وفي جميع المجالات، وفي نفس الوقت سيساعد في إقناع بروكسل بالتراجع عن الانسحاب من جانب واحد. إن جعل النظام المالي أمراً مملاً مرة أخرى سيكون أفضل نتيجة، على الأقل بالنسبة إلى المصرفيين.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»