إميل أمين
كاتب مصري
TT

عن مبادرات «سلام» للتسامح والتصالح

من بين أهم المشروعات ذات الملمح والملمس الحضاري في المنطقة العربية وتحديداً في المملكة العربية السعودية، يأتي مشروع «سلام للتواصل الحضاري»، والذي تدعمه وتزخمه «رؤية المملكة 2030» في طريق سعيها إلى فتح دروب التسامح والتصالح أمام العالم برمّته وليس في المنطقة العربية فحسب، بعد أن باتت الخلافات الآيديولوجية والمنازعات الدوغمائية منطلقات لتأجيج الحروب وإشعال صراعات الكراهية، وبات العالم على صفيح ساخن ينتظر حرباً كونية دفعة واحدة، فيما يقول الراوي إنها قائمة بالفعل حول العالم وإنْ بصورة مجزّأة.
تجيء مشروعات «سلام للتواصل الحضاري» لتصل ما قد انقطع في تاريخ الحضارة العربية والإسلامية، أي مساحات الود وقبول الآخر، وإشراك الجميع في إعادة صنع حضارة إنسانية، حضارة علت وانتشرت حين عُدت معيناً وحاضنة إنسانية لكل صاحب فكر ورؤية وعلم، قبل أن تُصاب الأمة بحالة من حالات الانسداد التاريخي، ناهيك بالتكلس الفكري، اللذين قادا لاحقاً إلى مرحلة من مراحل الأصوليات الضارة.
تأتي مشروعات ومبادرات وبرامج «سلام للتواصل الحضاري»، في وقت أحوج ما تكون فيه البشرية لمن يقوم ببناء الجسور وهدم الجدران، وهذا لا يتأتى إلا من خلال رؤية تشرع الأبواب واسعة للتسامح الإيجابي والخلّاق شرقاً وغرباً، لكل البشرية، ومن غير شروط العرق أو الجنسية، المذهب أو اللون، الطائفة أو المكانة المجتمعية.
الأيام القليلة الماضية أطلق مشروع «سلام للتواصل الحضاري» مبادرة للتسامح، للأطفال والناشئة، في إطار مبادرات برنامج تأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي التي تعنى ببناء مفاهيم القيم الإنسانية، وتقوم على تنمية شعور المواطنة العالمية لإكساب الطفل القدرة على التعامل مع المعطيات الخارجية المتغيرة وبناء جذور التسامح لديه ليكون سفيراً للسلام في مجتمعه.
يعنّ لنا أن نتساءل: لماذا تخصيص هذه الدورة البرامجية للأطفال تحديداً؟
باختصار غير مخلٍّ، الهدف هو زرع تلك المنظومة الإكسيولوجية «القيمية»، البالغة الأهمية في نفوس الأطفال من جميع أنحاء العالم، في محاولة جادة لتغيير وجه الأرض من الكراهية والتعصب والتمذهب، تلك التوجهات التي شوّهت معالم حضارتنا الإنسانية مؤخراً، إلى رحابة التلاقي الواسع الذي يتيح للجميع اللقاء ضمن مساقات ومسارات إبستمولوجية «معرفية»، تخرج بنا بعيداً عن ضيق الآيديولوجيات، تلك التي تنتج لنا المتشددين فكرياً والذين لا مكان للآخر في تراتبية أفكارهم، ومن هنا يولد كل ما هو مزعج للبشرية.
تسعى «سلام للتواصل الحضاري» إلى نشر وتعزيز رسالة التسامح الخلاق، وتدرّب الأطفال على مفهوم ومنهج قبول الاختلاف كسنة من سنن الله في الكون، وتفتح الدروب لأطفال العالم للقاء عن طريق إقامة فعاليات ثقافية تعمل على بناء المشتركات الإنسانية لدى الأجيال القادمة، وزرع بذور المودات القادرة على غرس مفاهيم التنوع والتعايش الثقافي.
اللقاء الأخير لمشروع «سلام للتواصل الحضاري» شارك فيه عدد كبير من الأطفال والناشئة من جنسيات مختلفة من المقيمين في المملكة العربية السعودية، من الولايات المتحدة الأميركية، والهند، وبريطانيا، وجنوب أفريقيا، وباكستان، وكندا، واليابان، وكوريا الجنوبية، وإسبانيا، ودولة لاتفيا، إضافة إلى أطفال من المملكة العربية السعودية.
هل نحن أمام توجه حضاري وإنساني جديد تقوده المملكة العربية السعودية في إطار انطلاقتها الخلاقة لجعل عالمنا المعاصر هذا، أكثر رحابةً واتساعاً لجميع البشر عبر إضافة قيم تعزز الكل للواحد والواحد للكل، كما يقول ألكسندر دوما الروائي الفرنسي الشهير في رائعته «الفرسان الثلاثة»؟
تشكّل المبادرة فرصة للمشاركين للتدريب العملي على مبادئ التواصل والتعايش، وبناء جسور التواصل بين أطفال ينتمون إلى ثقافات مختلفة، وتعزيز مفاهيم المواطنة العالمية لديهم.
عطفاً على ذلك يقوم مشروع «سلام للتواصل الحضاري» على تدريب مجموعات من الشباب والشابات على مبادئ التواصل المفتوح والتفاهم الإيجابي بين السعوديين وغيرهم من خلال برنامج تأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي، للتعرف على المشتركات الإنسانية والثقافية بين الجميع، وفتح باب التفاهم حول القضايا التي قد لا تكون واضحة ومفهومة لدى المجتمعات والثقافات الأخرى، وتمثيل المملكة في المحافل الدولية بغرض تقديم الصورة الحقيقية للمملكة، وتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة حول بعض القضايا التي تؤثر في الصورة الذهنية لدى أفراد تلك المجتمعات...
أنه زمن المملكة العربية السعودية في بناء الجسور وهدم الجدران من حول العالم.