د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

العرب والخوف من المجهول

‏قال لي أحد الزملاء العرب في مجلس إدارة إحدى الشركات في حديث جانبي عن اختلافات الشعوب: أنتم الكويتيون قلوبكم جامدة في البزنس. شغلتني هذه العبارة طويلاً، لكنني لم أجد أساساً علمياً لها رغم الشواهد الواقعية. فالكويتيون خاضوا تجربة مريرة اسمها «سوق المناخ» وكانت «أكبر فقاعة أوراق مالية في التاريخ» من ناحية الحجم على حد وصف عنوان لفيلم وثائقي أميركي. فكان الناس يبيعون مئات المليارات من الدنانير من دون وجود رصيد (بالأجل). وقيل إن حجم الشيكات الإجمالي بلغ أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي حتى وقعت «الفاس بالراس» وتعثر المستثمرون ثم انهارت السوق غير الرسمية.
وأثناء بحثي عثرت على دراسات علمية قدمها العالم الكبير هوفستد الذي درس الشعوب بتعمق. ‏فقدم لنا أبعاداً عدة كشفت الاختلافات الثقافية الواضحة بين الشعوب، منها ما يطلق عليه «تجنب عدم اليقين» uncertainty avoidance وهي تعني «إلى أي درجة يشعر أفراد المجتمع بأنهم مهددون من حالات الغموض والمجهول». فاتضح أن العرب لديهم معدل مرتفع من هذا البعد مقارنة بالشعوب الأخرى كالإنجليز والأميركيين مثلاً. ولاحظ أن العرب لديهم ارتفاع ملحوظ من «تحاشي المجهول». وهذا ما يجعلهم يمكثون في وظائفهم لمدة طويلة. وربما غاب عن باله أن جلنا يعمل في الحكومة، خصوصاً البلدان الخليجية، لاعتبارات الأمان الوظيفي.
وتبين أن أفراد المجتمع الروسي، فالياباني، فالفرنسي، ثم العربي، عموماً يشعرون أن «الاختلاف» هو شيء «خطر» أو يستدعي الحذر، ولذا تجدهم يتوجسون خيفة من الأجنبي أو المختلف شكلاً أو لهجةً أو لغةً. بخلاف الحال في البلدان المتسامحة مع المختلف كبعض الشعوب الغربية التي ترى في الاختلاف ما يثير الاهتمام. وربما هذا ما يدفعني كعربي لفتح حوار مريح مع أميركي أو إنجليزي في الطائرة أو مكان عام. وربما هذا أيضاً ما يجعلنا نجد ديانة الفرد أو اسم بلده مكتوباً في هويته الشخصية الصادرة عن البلد الذي يقيم فيه! ولفت إلى قضية مهمة هي أن الشعوب العربية ومن في دائرتهم لديهم أطباء أكثر نسبياً من الممرضين الذين يقومون بوظائف هامشية مقارنة بالعالم الغربي المتقدم، وفي ذلك إشارة إلى تحاشي عواقب عدم إجادتهم للعمل. ورغم ذلك لا نكلف أنفسنا عناء تدريبهم وتوسيع نطاق خدماتهم المساعدة كما في الغرب. كما أننا كشعوب تخشى المجهول وحالات الغموض نحرص على وضع «قوانين وقرارات حتى وإن كانت غير عملية». ولذا تجد الغرب أكثر «براغماتية» وتقبلاً للتغيير بما فيه من أبعاد مجهولة أو غير يقينية.
وظهرت مفارقة تستحق التأمل، تدحض قول البعض بأن العرب يتجنبون المجازفة؛ إذ لوحظ أن أفراد مجتمعهم يميلون إلى قيادة السيارة بسرعة جنونية، وهو ما يتنافى مع فكرة تحاشيهم للمجازفة، كما يقول هوفستد. بعبارة أخرى، ارتفاع مؤشر «عدم اليقين» (UA) في مجتمع ما لا يعني تحاشي أهله المجازفة.
باختصار فإن عدم شعورنا بالراحة من حالات الغموض أو المجهول (عدم اليقين) أكثر من غيرنا يلقي بظلاله على قراراتنا، ويومياتنا، وانفعالاتنا. بخلاف الحال مع شعوب مثل الإنجليز والأميركيين الذين يرون في المستقبل المجهول فرصاً ربما تكون أفضل لهم ولأسرهم وأوطانهم.