طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

إنهم يلتهمون «العجوة»

علاقة الجمهور بنجومه يشوبها الكثير من الازدواجية، بها قدر لا يُنكر من التطرف في المشاعر، ما بين الحب والكُره، التسامح والتشفي، مثال ذلك نانسي عجرم وجريمة القتل المتهم فيها زوجها الطبيب فادي الهاشم، بديهي أن تدافع نانسي عن فادي وتتبنى وجهة نظره، التي تُشير إلى أنه كان في حالة دفاع شرعي عن بيته وبناته، ولهذا أطلق على من اقتحم حرمة بيته، 16 طلقة رصاص، بينما على الجانب الآخر هناك قدر من التعاطف تلمحه عند قطاع من الجمهور، يتبنى وجهة نظر القتيل أو «الضحية»، واتهام مسبق للإعلام بالانحياز إلى جانب نانسي، لأنها تمثل الخصم الأشهر والأقوى، الجمهور في علاقته بنجومه يشبه الإنسان البدائي في بعض القبائل التي ظهرت قبل الميلاد، كانت تصنع آلهة من «العجوة» يقدسونها، ثم عندما يستبد بهم الجوع يلتهمونها، وهكذا بقدر ما أحبوا نانسي بقدر ما يترقب البعض توجيه إدانة القتل إلى زوجها!
على الجانب الآخر أثار الظهور الإعلامي للممثل يوسف فوزي، بعد احتجاب خمس سنوات، قدراً من الغضب والإشفاق بعد إصابته بالشلل الرعاش، الفنان الكبير استطاع أن يصنع بينه وبين الجمهور جسراً من الحب، في فترة زمنية اقتربت من ثلاثة عقود، رغم أنه لم يلعب دور البطولة، أجبره المرض على الانزواء، حتى تجرأت أكثر من جريدة واستضافته في حوار مرئي، البعض اتهم الصحافة بأنها بلا قلب، الصورة الذهنية التي تجمعت لدى جمهوره ترتبط بالقوة والحيوية؛ نظراً لطبيعة الأدوار التي أسندت إليه، رعشة يديه المتكررة ستجعلك تشعر بالإشفاق، ولكن مع مرور الزمن ستتعامل معها باعتبارها (لازمة) حركية، كان هو صاحب القرار بتصوير اللقاء لتصل رسالته أنه لم يفقد الأمل بعدُ، فهو يريد للجميع من المرضى أن يواجهوا الناس، شاهدنا مثلاً مرضى الصدفية أو البهاق لا يتوارون عن الأنظار، بل وتقام لهم مسابقات للجمال، مثل ملكة جمال مرضى البهاق والأقزام والمعاقين وغيرهم. لماذا يطلب البعض من هؤلاء الاختفاء عن (الكادر). بذكاء التقط رئيس المركز السينمائي الكاثوليكي المصري الأب بطرس دانيال تلك الفكرة، وقرر منح يوسف فوزي تكريماً عبارة عن لوحة ذهبية لسورة «الإخلاص» تناقلتها «السوشيال ميديا».
هل حقاً الفنان يريد أن يختفي عن الأضواء؟ على العكس تماماً، فهو يريد أن تصل رسالته بأنه لا يمانع في العودة للوقوف مجدداً أمام الكاميرا، لقد شاهدنا النجم الكبير هنري فوندا بطلاً في آخر أفلامه «البحيرة الذهبية» ولم يكن في كامل لياقته الحركية، وتم توظيف مرحلته العمرية درامياً، وحصد جائزتي «الأوسكار» و«الغولدن غلوب»، مارلون براندو في سنواته الأخيرة، تغيرت ملامحه، وازداد وزنه وظل حريصاً على أن يقدم أفلامه، النجم الفرنسي جيرار دي بارديو، يشارك في الأفلام رغم هذا «الكرش» الذي يتدلى أمامه، الراحلة ماجدة الصباحي لها صور في عيد ميلادها الأخير بعد أن اقتربت من التسعين، ولم تمانع في نشرها، وهو ما ينطبق على نادية لطفي التي شارفت الثمانين.
بين الحب المفرط والتوجس المفرط، تستطيع أن تلاحظ تلك العلاقة الملتبسة، بين النجم والجمهور، من الممكن في لحظة أن يشعروا بأن عليهم حماية الفنان الذي أحبوه حتى من نفسه، وفي موقف آخر من الممكن أن يمسكوا بالسكين لطعنه في مقتل، إنهم أحفاد الإنسان البدائي، يصنعون العجوة ويقدسونها ثم مع الأيام من الممكن أن يلتهموها.