حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

ذكرى مارتن لوثر كينغ

بعد أيام تحتفل الولايات المتحدة الأميركية بذكرى ميلاد زعيم الحقوق المدنية الكبير مارتن لوثر كينغ، الذي قُتل على يديْ مجرم عنصري، بينما كان المغدور يناضل بالاعتصامات السلمية الخالية من العنف لنيل الحقوق المدنية لأبناء ذوي الأصول الأفريقية، الذين كانوا يتعرضون لعنصرية فجّة ومقيتة.
وكان مارتن لوثر كينغ شديد التأثر بالزعيم الهندي الكبير غاندي، والذي كان أول من دعا إلى الاعتصام السلمي، وحرر بلاده من الاستعمار البريطاني بهذا الأسلوب. وأثّر مارتن لوثر كينغ بعد ذلك على الزعيم الجنوب أفريقي الكبير نيلسون مانديلا. وكلهم كانوا دعاة سلام. ودوماً ما كنت أسأل نفسي: لماذا يكون مصير دعاة «السلام» في معظم الأحيان «القتل»، كما حدث مع غاندي ومارتن لوثر كينغ وجون كيندي وأنور السادات؟ يبدو أنها الضريبة المطلوب سدادها. مارتن لوثر كينغ واجه المجتمع الغربي عموماً؛ والأميركي تحديداً، بأمّ الخطايا، أو كما يطلق عليها «خطيئة البشرية الكبرى والأولى»، وهنا المقصود «العبودية» أو «رق العبيد». الاتجار بالبشر وبيعهم وشراؤهم وتملكهم كان أول بذور العنصرية الكريهة. وبإطلاق الحقوق المدنية في الستينات من القرن الماضي بدأت الأنظمة والقوانين والسياسات تأخذ هذا الموضوع (مكافحة العنصرية) بشكل مؤسساتي ومنظم.
ولكن في العالم العربي بقي هذا الإرث «ملغماً» ولم تتم مواجهة تاريخ الرق بشكل إنساني وموضوعي وشجاع، فالكم المهول من المفردات العنصرية البغيضة حول الشرع والأنظمة إلى أداة تفريق بين الناس بحسب حالتهم؛ إما أحراراً وإما عبيداً، أو كما أطلق عليهم بشكل آخر «مماليك». وقد ساهم هذا العته غير الأخلاقي في تكريس فكر أن هناك تكافؤاً في النسب وهناك عدم تكافؤ. وناهيك بأن هذه فكرة خبيثة مخالفة للفطرة والبشرية والسوية الإنسانية، فهي أيضاً مخالفة للدين الإسلامي نفسه، الذي أكد أنه لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى. وهذا الفكر السرطاني العنصري توغل وانتشر وكوّن عبر الوقت منظومة طبقية شبيهة بنظام الـ«أبارتايد»، بل هي أخبث وأشد خطورة، لأنها بنيت على خدعة باسم الدين.
العالم العربي بحاجة ماسة لغاندي أو مارتن لوثر كينغ يواجه التاريخ العنصري وتاريخ العبودية، والانسلاخ التام من كل نص مشبوه أو فتوى أو رأي أو قصة وضعت لتدعيم الآراء والنفَس العنصري. التاريخ المسكوت عنه، والذي لم يجرؤ على مراجعته أحد بموضوعية أخلاقية، له علاقة كبرى وعميقة بكثير من المشكلات والأزمات والمواقف الجدلية والمثيرة للقلق، وولدت قوالب تفكير شلّت قدرات الأمم اللاحقة على الاجتهاد والتطوير السليم.
إرث العنصرية في العالم العربي ملف مخجل، والمخجل أكثر منه استمرار ارتكاب الممارسات القديمة والحالية، والتي ترتكب بأسماء أخرى ولكن لا تنفي العنصرية عنها، والدفاع عنها مسألة مهينة للعقل والضمير.
مارتن لوثر كينغ زعيم عظيم حارب العنصرية وفتح ملفها على مصراعيه، وساهم في إحداث نقلة نوعية في الحقوق المدنية. والمشوار مستمر. وطبعاً العنصرية مستمرة، إلا إنها اليوم تواجه القانون والعقوبة، وهذا في حد ذاته الإنجاز الحضاري الخالد للرجل. ألقى مارتن لوثر كينغ خطبة شهيرة باسم «لديّ حلم»، وهو حلم الشرفاء والعقلاء حول العالم الذي يحلمون بعالم خالٍ من العنصرية.