علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

الآيديولوجيا وفهمها على نحو خاطئ

في النص الذي اقتبسه أحمد الواصل من داريوش شايغان، يقول شايغان في مستهلّه: «قام القصيمي (المصري) بهجوم منظّم على الموروثات الثقافية للمسلمين...»، فقام أحمد بحذف كلمة المصري من هذا المستهلّ، ولم يضع مكانها نقاطاً للإشارة إلى أنه حذف كلمة منه.
سبب حذف أحمد نسبة داريوش شايغان القصيمي إلى مصر أنه في الجزء الأول من مقاله «الفيلسوف طريد المدن الموحشة: عبد الله القصيمي الذي طعن العرب في خاصرتهم»، نفى ادعاء صلاح الدين المنجد في دراسته عن القصيمي أنه ينتمي إلى أسرة مصرية.
وكان من الأنسب من الناحية المعلوماتية والمنهجية أن يثبت في ذلك المستهلّ نسبة داريوش القصيمي إلى مصر، ويورد تعليق مترجِم كتاب داريوش شايغان، «النفس المبتورة: هاجس الغرب في مجتمعاتنا»، إلى العربية، الذي رمز إلى اسمه بحرف «م»، والذي قال في تعليقه: «إذا كان المقصود عبد الله القصيمي؛ فهو غير مصري أصلاً، بل سعودي، ولا نعرف إن كان قد حصل على الجنسية المصرية أم لا».
المؤرّخ وكاتب السير محمد السيف صاحب أول ملف صحافي عن عبد الله القصيمي، الذي أعده بمناسبة الذكرى الخامسة لوفاته، التي صادفت يوم التاسع من يناير (كانون الثاني) لعام 2002، بحث في هذا الملف عن أصول أسرة القصيمي. ولقد سألته عن هذه القضية طلباً للمزيد من المعلومات عنها، فأجابني:
«بالنسبة لأصول أسرة عبد الله القصيمي، فهو - كما هو معروف - قد اتخذ اسم (القصيمي) لقباً له في مرحلة معينة من مراحل عمره، وقد تميز بهذا اللقب هو دون بقية أسرته الكبرى (الصعيدي)، ودون إخوته من أبيه، بينما حمل أبناؤه وبناته لقب القصيمي.
وتعود أسرته الكبرى، الصعيدي، إلى مدينة حائل، ومنها هاجر والده إلى قرية خب الحلوة التابعة لمدينة بريدة لسنوات، ثم انتقل إلى الشارقة. وأسرته الصعيدي منتشرة في عدد من قرى المدينة المنورة.
وما يقال إن جده عبد الله أو أباه علي (كما نص على ذلك المنجد) هو من بقايا حملة إبراهيم باشا على نجد، وعاصمتها الدرعية، هو قول متهافت، وأول من قال بذلك وتولى كبره هو المحقق صلاح الدين المنجد، لغرض في نفسه، ثم تبعه آخرون (مع الأسف)، دونما تحقيق.
المنجد الذي تولى كبر هذه الفرية (كما أشرنا سابقاً) نصّ على أنَّ أباه علي هو من بقايا حملة إبراهيم باشا على نجد، والدرعية قد سقطت على يد هذه الحملة عام 1828، لنفترض أنَّ أباه علي فر من هذه الحملة وعمره 28 عاماً، فكيف يكون له ابن اسمه عبد الله ولد في عام 1906، وفي رواية عام 1908؟!
والغريب أن الذين تصدوا للرد على القصيمي حينما أصدر كتابه (هذه هي الأغلال) من علماء وشعراء نجد لم يتعرضوا لأصول أسرته، وهم أدرى به وأعرف، والأكثر غرابة أن صلاح الدين المنجد يقول إن القصيمي ليس عربياً، بل هو من صعيد مصر! كأنما أهل الصعيد ليسوا عرباً!!
وقول صلاح الدين المنجد بأنه ليس عربياً، يقصد به أن القصيمي لا ينتسب إلى قبيلة عربية صريحة النسب، إذ سبق ووصفه بأنه (عبد)!
ولدفع هذا القول المتهافت، فإن أسرة الصعيدي، التي يعود عبد الله بنسبه إليها، هي أسرة متحضرة في حائل، وقبلها في منطقة المدينة قبل قدوم حملة إبراهيم باشا إلى نجد بقرون.
أما أن أصل أسرة الصعيدي يعود إلى صعيد مصر؛ فربما أن جد الأسرة الأعلى قد قدم من ذلك الصعيد، قبل قرون عدة ونُسِب إليه. وهذا لا يعيب القصيمي ولا ينقص من قدره وقدر أسرته، علماً بأن النسبة إلى أقاليم وجهات عربية في أسماء بعض الأسر لا تعني - بالضرورة - أن هذه الأسرة هي - فعلاً - من ذلك الإقليم ومن تلك الجهة؛ فهناك الرومي، والتركي، والعماني، والشامي وغيرهم».
يقول أحمد الواصل في مقدمة الجزء الأول من مقاله المشار إلى عنوانه آنفاً: «عندما نريد قراءة الحالة الثقافية في الجزيرة العربية عبر الإنتاج الفكري في القرن العشرين، فيمكن أن نضع ثلاثة كتب في الجزيرة العربية، ولا نخفي من (!) دور القصائد الملقاة شفوياً أو مخطوطة أو مطبوعة، (!) تعد علامات على المخاض الثقافي المتوتر (!) بالاجتماعي والسياسي والديني، المصارع لكل القوى الاستعمارية والديكتاتورية والآيديولوجية (!)، وهي:
خواطر مصرّحة (1924) لمحمد حسن عواد (1902 – 1980)، وجزيرة العرب تتهم حكامها (1938) لسيد هاشم الرفاعي (1885 - 1950)، وهذي هي الأغلال (1946) لعبد الله القصيمي، غير أن الثلاثة أُسدلت ستائر حاجبة على ذكرهم ونتاجهم».
ويحار القارئ؛ هل العلامات على المخاض الثقافي (المتوتر الاجتماعي والسياسي والديني، المصارع لكل القوى الاستعمارية والديكتاتورية والآيديولوجية) هي الثلاثة كتب التي عدَّدَها أم القصائد الملقاة شفوياً أو مخطوطة أو مطبوعة؟ ولكيلا يحصل مثل هذا الاستشكال كان عليه أن يصوغ تلك العبارة بالطريقة التالية: عندما نريد قراءة الحالة الثقافية في الجزيرة العربية عبر الإنتاج الفكري في القرن العشرين فيمكن أن نرجع إلى ثلاثة كتب - ولا يعني هذا أننا نغض من شأن القصائد الشفاهية والمطبوعة في هذا المجال - تُعدّ علامات على المخاض الثقافي... إلخ، لكن يظل هناك استشكال آخر يتعلق باستعماله الخاطئ لمصطلح الآيديولوجيا؛ فهذا المصطلح في استعماله له يعني شيئاً سيئاً، كما الاستعمار والديكتاتورية.
وقد لاحظت أن هذا الاستعمال الخاطئ موجود في كتابات كثيرين. ومن بين هؤلاء الكثيرين أناس مثقفون. ويرجع بعض الباحثين أصل هذا الاستعمال الخاطئ لمصطلح الآيديولوجيا إلى الحديث عن عصر نهاية الآيديولوجيا في خمسينات القرن الماضي في كل الحرب الباردة. وقد تجدد هذا الحديث في ستيناته وفي سبعيناته، وبلغ أوجَه مع انهيار الاتحاد السوفياتي وفشل الشيوعية في العديد من أقطارها.
هذا الحديث كان يقول بنهاية عصر الآيديولوجيا، وبداية عصر التكنولوجيا. أو كما يعبر بعضهم عصر التكنوترونيك.
وكان المقصود بالآيديولوجيا في هذا الحديث الآيديولوجيا الشيوعية. كما أن بعض الشيوعيين قالوا إن الآيديولوجيا لا توجد إلا في مجتمع طبقي، ومجتمع الاتحاد السوفياتي مجتمع خالٍ من الطبقات. فبالتالي هذا المجتمع ليس بحاجة إلى آيديولوجيا. والآيديولوجيا التي كانت عرضة للذم هي الآيديولوجيا الشمولية الحصرية (التوتالارية)، مثل الشيوعية والفاشية والنازية. والآيديولوجيا إما أن تكون تقدمية أو رجعية. نافعة أو ضارة.
والطريف أن الذين يفهمون مصطلح الآيديولوجيا على نحو خاطئ يستعملونه بالمعنى الذي يشير إليه هذا المصطلح عند كارل ماركس؛ فهو يشير عنده إلى اللاموضوعية وإلى اللاعلمية والوعي الزائف، رغم أنهم قد يكونون لا يعرفون أطروحته!
وما سمَّاه أحمد بالمخاض الثقافي المتوتر بالاجتماعي والسياسي والديني لا بد أن يعبر عن نفسه، من خلال آيديولوجيا ما.
وللتصحيح، فكتاب «خواطر مصرحة» صدر في عام 1926، وليس في عام 1924. كما أن كتاب «جزيرة العرب تتهم حكامهم»، ليس لسيد هاشم الرفاعي. إضافة إلى هذا، فإن الكتاب صدر في عام 1947، وليس في عام 1938.
من خلال ذكر أحمد لسنة ميلاد الرفاعي وسنة وفاته، فإنه يقصد به الصحافي والأديب الكويتي.
هذا الصحافي والأديب الكويتي القديم كتب عنه من السعودية عبد الرحمن الرويشد وعبد الرحمن الشبيلي، ومن الكويت يوسف البراهيم، ومن البحرين راشد الزياني. وهو ليس له سوى مؤلف واحد، هو كتاب «من ذكرياتي». وسيد لقبه وليس اسمه الأول. ولقب بسيد لأنه ينتمي إلى الأشراف.
مؤلف كتاب «جزيرة العرب تتهم حكامها»، لم يضع اسمه عليه، وإنما رمز إلى اسمه بحرفين هما: هـ. ع. ولا أدري كيف رجم أحمد باسمه من دون بينة؟!
وهذا الكتاب مطبوع في القاهرة في «مطبعة الجريدة التجارية المصرية». وهو كتاب نادر ومؤلفه مجهول.
وقد اتكأ خالد محمد خالد في كتابه الشهير «من هنا نبدأ»، على عدد من الفقرات الواردة فيه، في فصل «الحكومة الدينية».
والكتاب يُعدّ كتاباً مجهولاً لدى المؤرخين والمثقفين السعوديين، وكتاباً معروفاً لدى بعض الصحافيين والمثقفين اليمنيين؛ فكيف يكون الكتاب كتاباً مجهولاً عند المؤرخين والمثقفين السعوديين وزملائهم في الكويت والبحرين وفي قطر وفي عُمان؟! ثم يقول أحمد إن الثلاثة كتب قد أسدل على مؤلفيها ستائر حاجبة على ذكرهم ونتاجاتهم.
وحكمه هذا غير صحيح بالنسبة لمحمد حسن عواد ولكتبه وللقصيمي وكتبه. فهما اسمان شهيران في السعودية، وفي بقية دول الجزيرة العربية.
والعواد كُتبت عنه أطاريح علمية، وفي الكتب التي تتعرض لتاريخ الأدب في السعودية هو اسم مفصلي في هذا التاريخ. وفي المناهج الدراسية التي درسناها كانت بعض نصوصه مقررة علينا، وقد مرّ في مقالاتي عن القصيمي ذكر بعض الدراسات عنه.
مؤلف كتاب «جزيرة العرب تتهم حكامها» هو مثقف قومي من عدن اسمه هاشم عبد الله. وقد ذكر هذه المعلومة فاروق لقمان، في مقال نشره في صحيفة يمنية. وللحديث بقية.