كيف أقنعت إيران نفسها بأن أهالي ضحايا كارثة الطائرة الأوكرانية التي أسقطها صاروخ إيراني «بالخطأ» سيغفرون لها هذه الخطيئة التي تعدّ أكبر جريمة جوية في التاريخ عن طريق «الخطأ»؟
لقد استمرأت إيران الملالي القتل حتى أصبح الموت المتعمد أو غير المتعمد «عادة» مألوفة لا ترمش لها عين أحد من قادة هذا النظام المجنون.
176 رجلاً وامرأة وطفلاً من جنسيات مختلفة، بينهم إيرانيون، شاءت حظوظهم العاثرة أن يكون زمان ومكان تحليق طائرتهم المدنية في ساعة شيطانية، أطلق فيها معتوه أو جاهل من «الحرس الثوري» صاروخاً في اتجاه الطائرة، «ظناً» منه أنها طائرة أميركية معادية.
الحرب هي وجهة نظر تتحمل أن تحدث فيها أخطاء، لكن الأخطاء مهما بلغت من آفاق الجريمة في نظر ملالي إيران يجب أن تُغتفر لأجل عيون ولي الفقيه خامنئي والتمدد الفارسي على جغرافية وحدود الدول المجاورة بلا إذن ولا استئذان.
لم يحدث أن انهارت صورة النظام الإيراني الحالي في العراق ولبنان وسوريا واليمن كما انهارت اليوم. واسودت صورته أيضاً في دولة غير جارة لجار السوء ولا علاقة لها بالملالي ولا قاسم سليماني ولا ولي الفقيه ولا «الحشد الشعبي» ولا «الحرس الثوري» ولا الحوثيين ولا حزب حسن نصر الله... هي أوكرانيا.
هذه الدولة التي تقع في شرق أوروبا شهيرة بكنائسها الأرثوذوكسية، عاصمتها كييف، واستقلت عن الاتحاد السوفياتي المنهار في عام 1991. والرقم الرسمي لتعداد المسلمين فيها نحو 400 ألف شخص، أما تعداد الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا فهو بحدود مليوني نسمة، معظمهم من التتر الذين أسلموا في زمن الفتوحات الإسلامية الرشيدة، ويشكلون نحو 15 في المائة من تعداد سكان الدولة.
بعد ساعة واحدة من مظاهرة الصواريخ الإيرانية التي أطلقها «الحرس الثوري» على قاعدة الأسد الأميركية في محافظة الأنبار غرب العراق وقاعدتين أميركيتين في محافظة أربيل شمال العراق، قطعت قنوات التلفزيون العالمية أخبارها عن القصف الإيراني بخبر عاجل استثنائي هو تحطم طائرة ركاب أوكرانية من نوع «بوينغ 737» بعد دقائق من إقلاعها من مطار طهران في طريقها إلى العاصمة الأوكرانية كييف. ولأن تحطم الطائرة حدث في ذروة «الانتقام» الإيراني من «الشيطان الأكبر» الولايات المتحدة بعد مقتل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» ومن معه، فإن كل الشكوك اتجهت إلى الصواريخ الإيرانية التي حاد معظمها عن أهدافه وتساقط في البريّة، وهو أمر استدعى اهتمام كل المتابعين في ذلك الوقت المتأخر من الليل، وأثار تساؤلاً واحداً هو: هل أصاب صاروخ إيراني «ضال» الطائرة الأوكرانية وتسبب في مقتل 176 راكباً بينهم عدد كبير من الإيرانيين والبريطانيين والكنديين وجنسيات أخرى؟ وهو سؤال يثير تساؤلاً آخر: لماذا لم توقف طهران حركة الطائرات القادمة والمغادرة في فترة إطلاق الصواريخ على القواعد الأميركية في العراق؟ بل لماذا لم توقف طهران حركة الطائرات في النهار التالي تحسباً من قيام الولايات المتحدة بالرد على صواريخ «الحرس الثوري»؟ وهي لم تفعل ذلك لأن هذا النظام لا تهمه أرواح البشر وخاصة المدنيين، وأكبر مثال على ذلك رصاص القنص الذي أطلقه «الحرس» والميليشيات الموالية له على المتظاهرين المسالمين في إيران نفسها والعراق واليمن وما يفعله «حزب الله» اللبناني.
وكان مطار طهران أعلن فور وقوع الحادث أو «الجريمة» أن الطيار لم يوجه نداء استغاثة. ومعنى ذلك أن الطيار لم يجد وقتاً للاستغاثة بعد أن هوت الطائرة محترقة ومحطمة.
سقوط الطائرات الكارثي أمر يتكرر بين حين وآخر، ولكن ما حدث على بعد دقائق من مطار طهران جريمة مكتملة الأركان. والجاني هو الصاروخ الإيراني المتعمد الذي تم إطلاقه على الطائرة الأوكرانية بدم بارد مع ترديد الشعارات الطائفية المعتادة.
والجريمة في هذا السلوك الإيراني الشائن تستدعي أولاً إدانة صريحة وقوية من مجلس الأمن ووضع إيران تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بتهمة تهديدها للسلم الدولي والأمن والأمان جواً وبحراً وبراً.
ما الذي يجنيه أهالي وأقارب ومعارف وأصدقاء ركاب الطائرة الأوكرانية من الاعتراف الإيراني المتأخر أو المتقدم؟ وكيف سيطمئن المسافرون مستقبلاً إلى هذه الدولة الخارجة عن القانون، أو إليها، أن رحلتهم ستكون سعيدة؟
بعد هذا الاعتراف، ندرك الآن أن صواريخ إيران فشلت في مهمتها في «الانتقام» لقاسم سليماني بضرب قاعدة عين الأسد وقاعدتين أميركيتين في شمال العراق، لكنها نجحت في إسقاط طائرة ركاب مدنية أوكرانية تقلّ 176 راكباً بريئاً لا يعرفون من هو قاسم سليماني ولا من هو خامنئي نفسه.
إيران دولة لا تملّ من تشويه سمعتها في الداخل والخارج.
TT
طائر أوكرانيا الحزين في سماء طهران
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة