د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

«إقصاء» النساء من الإدارة!

تشير الأرقام إلى أنه ليس العرب وحدهم من لا يميلون نحو منح النساء مناصب في الإدارة. فالأرقام تشير إلى أن المرأة لا تتبوأ سوى 10% من المناصب الإدارية في البلدان العربية وكذلك الحال في اليابان، وهي من هي في الصناعة والتقدم والأخلاق! المفاجأة الثانية أن النساء يشكلن نحو 36% من المديرين في ألمانيا وكندا، في حين أن الفلبينيين والأميركيين قد فتحوا أبواب العمل الإداري على مصراعيه لنصف المجتمع (النساء) بنسبة 58% و51% على التوالي، وفق كتاب «الإدارة» لستيفن روبنز وزملائه.
وهذا قد يشير إلى أن الأمر لا يعدو كونه ثقافة سائدة. واللافت أن ذلك لم يوقف هدير الآلات عن تقديم أجود المنتجات والنماذج الاقتصادية الرائدة. هذه المقدمة ليست مبرراً «لإقصاء» المرأة، فأنا نصيرها على الدوام لأسباب عدة منها أن الأمم تحتاج إلى الاستفادة من قدراتها الذهنية واهتماماتها التي تشكّل قيمة مضافة للقوى العاملة. فهل تعلم أن حتى رحلة الفضاء الأولى للهبوط على سطح القمر كان وراءها نساء قمن بخياطة بدلات رواد الفضاء يدوياً وبمهارة عالية، منها تلك التي ارتداها نيل آرمسترونغ وباز آلدرين. وكان ذلك عبر شركة «آي إل سي دوفر» التي عُهد إليها بمهمة حياكة البدلات.
ورغم ذلك فإن محاولات إقصاء النساء، في بعض الأحيان، قد تكون غير مباشرة أو غير مقصودة. ومثال ذلك فجوة الرواتب التي ما زالت تتسع في مشارق الأرض ومغاربها وتؤكدها التقارير الدولية. فما زال البرلمان البريطاني يناقش فجوة الرواتب التي يحاولون ردمها بصعوبة.
وفي الكويت ما زالت هناك بقايا قوانين بالية تمنع الأم من التوقيع على تعهد بقبول تقديم الإبرة المخدرة أو عملية جراحية لأطفالها ما لم يحضر الأب ويوقع بنفسه. وهذا ما يدفع أمهات إلى الحصول على توكيل طبي من الزوج صادر من كاتب العدل تحمله الزوجة كلما ذهبت إلى مستشفى لحالة حرجة!
الحل هو ألا تقف المرأة مكتوفة اليدين بل تطالب بحقوقها المشروعة، مثل تلك الفتاة الكويتية التي آلمها قرار نسب القبول في جامعة حكومية، الذي حيّرنا جميعاً لعقود، وذلك بتخصيصه نسبة قبول للإناث أعلى من الرجال! فتوجهت إلى القضاء ونالت حكماً نهائياً رفعت على أثره التفريق بين الجنسين وتوحدت نسب القبول. وكذلك فعلت المذيعة سميرة أحمد قبل أيام حينما كسبت قضية ضد «بي بي سي» في القضاء البريطاني مطالبةً بالمساواة في الراتب مع زميلها جيريمي فاين الذي أثبتت أنه يتلقى أجراً يفوقها بست مرات نظير تقديمه برنامجاً شبيهاً ببرنامجها. إذ تبين أن جيريمي فاين يتقاضى في الحلقة الواحدة من برنامج «وجهات نظر» ثلاثة آلاف جنيه إسترليني (بين عامي 2008 و2018) في حين تتقاضى سميرة أحمد 440 جنيهاً إسترلينياً عن كل حلقة من برنامج «مرصد الأخبار»! وطالبت بفارق الراتب طوال هذه السنوات والذي يبلغ 700 ألف جنيه. ووصفت الأمينة العامة للاتحاد الوطني للصحافيين ميشيل ستانيستريت، قرار المذيعة باللجوء إلى المحكمة بـ«القرار الشجاع».
الخلاصة أنه ليس العرب وحدهم من لا يميلون نحو منح المرأة حقوقها وإقصائها من المناصب، فهناك شعوب عديدة تفعل ذلك. غير أن المؤلم حينما تجد رجالاً يطالبون بحقوق النساء في حين لا تكلف نساء عديدات أنفسهن عناء مطالبة أو اعتراض أو تسجيل أي موقف يُذكر.
كما أنه على المرأة عبء ثقيل وهو أن تُدهش من حولها من المثبطين بأنها أهل للقيادة والإدارة والمنافسة، وهذا لا يعني عدم وجوب تعاطف الرجال معها حينما تحتاج إلى ممارسة حقوقها المشروعة في قوانين العمل من حمل وولادة وإجازات ذات صلة. فلولا هذا الدور لما جاء الرجال أصلاً إلى معترك العمل.