د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

المستشار المالي

في وقت تزداد وتتنوع فيه المصروفات الشخصية، تشتد ضرورة اللجوء إلى مستشار مالي شخصي، وقد تبدو فكرة المستشار المالي مستهجنة لدى كثير من الناس، خاصة من متوسطي الدخل الذين لا يرون حاجة إلى نصح في التصرف بأموالهم، ويرون في المستشار المالي نفسه هدراً لأموالهم. والواقع أن هذه الفكرة لم تأتِ من فراغ، فكثير من المستشارين المالي يبالغون في أجورهم، مما يجعلهم يتعاملون مع الأثرياء دون غيرهم. وقد أوضحت دراسة سابقة أن نصف المستشارين الماليين يرفضون قبول العملاء متوسطي الدخل. ومن غير العدل أن يحصل الأثرياء على استشارات في كيفية إنفاق واستثمار أموالهم، بينما لا يحصل غيرهم على أي نصائح مالية. إلا أن التقنية في السنوات الأخيرة أتاحت للجميع حرية الوصول إلى استشارات مالية، وبمبالغ أقل بكثير من السابق.
وقبل هذا كله، تجب معرفة أسباب الحاجة إلى المستشار المالي على المستوى الشخصي، فالمستشار المالي يقدم النصح في عدة جوانب مالية، منها المصروفات الشخصية، وتحديد ميزانية الشخص، والتزاماته المالية قصيرة المدى، ومن ثم معرفة ما يمكن إنفاقه في أمور الحياة الأخرى بعد استيفاء التزاماته. كذلك يقدم المستشار المالي خطة للادخار، بناء على الأهداف المستقبلية للشخص. وهذه الأهداف تختلف من شخص لآخر، فقد يكون هدف الشخص امتلاك منزل في المستقبل، وقد يهدف آخر للادخار بهدف تعليم أبنائه، وغيرها من الأهداف المستقبلية المهمة. ويصعب تحقيق هذه الأهداف دون خطة مالية طويلة المدى، يتبعها التزام ومتابعة مستمرة. كما يقدم المستشار المالي الخيارات الاستثمارية للشخص، بناء على قدرته المالية ونسب الخطر التي يميل إليها، سواء كانت هذه الاستثمارات في أسواق الأسهم باختيار الشركات المناسبة للخطط الشخصية أو بالعقار، أو غيرها من الاستثمارات التي قد توصل الشخص إلى الحرية المالية. ويميل كثير من الأشخاص إلى أخذ النصح من أقربائهم ممن يكبرونهم سناً أو من أصدقائهم في كثير من هذه الأمور، وتغلب الميول الشخصية عادة على هذه النصائح، دون معرفة الحيثيات المالية الدقيقة للشخص التي لا يفصح عنها عادة لأقربائه أو لأصدقائه.
وأحدثت التقنية في السنوات الأخيرة نقلة في صناعة الاستشارات المالية، فانتشرت التطبيقات التي تقوم بمتابعة المصروفات المالية للشخص، مستثمرة التفوق التقني في ذلك؛ فيستطيع المستخدم ربط التطبيق بحسابه البنكي أو ببطاقاته الائتمانية، مما يمكن التطبيق من جمع المصروفات الشخصية من عدة جهات في مكان واحد، ومعرفة نوع المصروفات، ومن ثم تقديم تقرير واضح للمصروفات الشهرية والمتبقي من الميزانية. كما تمكن بعض هذه التطبيقات من تصوير فواتير المشتريات، وتحويلها لصيغة رقمية مباشرة، بدلاً من إدخالها بشكل يدوي. وتقوم التطبيقات بالتذكير في حال تجاوز الميزانية المحددة، أو التذكير بحلول الفواتير الشهرية أو السنوية، موضحة -على سبيل المثال- حجم المبالغ المطلوب استقطاعها بشكل شهري لهذه الالتزامات.
كما قامت بعض الشركات الاستشارات المالية بإنشاء تطبيقات لها، تقوم من خلالها بالتواصل مع عملائها، وذلك لتقليل تكلفة. ويقوم العملاء من خلال هذه التطبيقات بإدخال بياناتهم المالية، من دخل وإنفاق والتزامات مالية وغيرها، ويوجه المستشار المالي بعد ذلك بخيارات العميل المتوفرة في الاستثمار والادخار. وهذا التدخل البشري مهم جداً في الاستشارات المالية التي تقوم على الثقة بين العميل والمستشار. كما تشتد أهمية هذا التدخل أيضاً مع تغير أنظمة الضرائب، وغيرها من الأنظمة المالية التي كثيراً ما يحتاج الناس إلى شرحها وتفصيلها، ومعرفة أثرها على حالاتهم المادية. وفي الفترة الأخيرة، انتشرت فكرة المستشار الآلي، التي تقوم استشاراته على الذكاء الاصطناعي، إلا أن تطبيق هذه الفكرة لا يزال بعيداً عن الواقع، في ظل معرفة السلوك البشري، والشك في مقدرة الآلة على استيعاب الاحتياجات والمخاوف المالية للأشخاص.
إن وجود المستشار المالي مهم للوصول إلى الحرية المالية، ولمعرفة الممكن من غير الممكن من الناحية المادية، وسواء كان هذا المستشار تطبيقاً أو شخصاً، فإن وجوده يعطي للشخص تصوراً لحالاته المادية، وتحليلاً لإنفاقه، ومعرفة أهمية هذه المصروفات. والمستشار المالي لا يكون شخصاً متخصصاً في الإدارة المالية فحسب، بل هو متخصص في المالية الشخصية، وبشكل دقيق في اللوائح الضريبية والخيارات الاستثمارية الفردية. وعدم وجود مستشار مالي لا ينفي الحاجة الماسة إلى وجود خطط مالية للأفراد، يعرفون من خلالها خياراتهم ومدى قدرتهم المالية، ويتمكنون من خلالها من بناء مستقبلهم بالشكل المناسب، ومنذ وقت مبكر، قبل الوصول إلى سن التقاعد.