جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

ليبيا: هل تلتهم نيران الحرب أحلام السلام؟

انقضى، أخيراً، موسم عطلات أعياد الميلاد، ونهاية السنة، وبداية العام الجديد في العالم الغربي المسيحي، وعاد أناسه إلى سابق سيرهم الحياتية، مستقلين قطارات روتينهم اليومي، واستأنفت عجلات الزمن إيقاع دورانها الرتيب، ولم تنتهِ بعد فظائع الحرب الأهلية التي تجري في طرابلس الغرب منذ شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي.
الحرب، مؤخراً، ازدادت ضراوة وعنفاً ودماراً، وتضاعفت أعداد النازحين، وفُتحت، على مصاريعها، أبوابُ احتمالات جديدة تنذر بتطورات خطيرة، غير مسبوقة، بدأت، فعلياً، بانزلاق أطراف إقليمية، بقضها وقضيضها، إلى ميادين المعارك، ما قد يؤدي، ضمنياً، وقريباً، إلى انجرار أطراف إقليمية أخرى، الأمر الذي سيقود إلى تحوّل ليبيا، أرضاً وبحراً وجواً، إلى ساحات وميادين لمعارك بين جيوش أجنبية، وخروج النزاع الليبي من دائرته المحلية نهائياً، ودخوله إلى ساحة التدويل عسكرياً وسياسياً، وبذلك يفقد قادة الأطراف الليبية نهائياً ما ظل باقياً في أياديهم - على قِلتِه - من خيوط سيطرة على مقاليد أمور تزداد سوءاً يوماً تلو آخر.
فهل سيكون عام 2020 عام الحل والحسم العسكري، كما يتمنى، ويتوقع الكثيرون، أم أننا سنشهد فيه دخول ليبيا والليبيين إلى نفق أشد عتمة وضيقاً مما سبقه من أنفاق عرفتها خلال الأعوام الماضية، أم سنشهد، فجأة، حدوث تصدع في جدار الرفض للحل السياسي، يؤدي إلى إحداث ثغرة مطلوبة في ذلك الجدار، من خلال اجتماع برلين المقرر عقده في الربع الأول من هذه السنة، ونرى أطراف الصراع كلها تقبل بمبادرة سياسية تستهدف وضع حد للحرب، والالتقاء، أخيراً، حول مناضد التفاوض وراء أبواب مغلقة؟
الساحة الليبية، بعد قرار تركيا الدخول في المعارك، لم تعد سهلة القراءة على المستويين السياسي والعسكري، لكنها، أيضاً، وفي الوقت نفسه، ليست مستعصية حد الانغلاق. وذلك، لوضوح أطرافها المتنازعة محلياً، ولوضوح، أيضاً، القوى الخارجية التي تقف وراء كل طرف منهم بالدعم السياسي والعسكري عربياً، وإقليمياً، وأوروبياً، ووضوح اختلاف وتباين مواضع حسابات مصالح تلك القوى وتوجهاتها.
وفي المسافة بين العام 2014 الذي يؤرخ لعملية فجر ليبيا بقيادة التيار الإسلامي وتمكنه من الاستحواذ على العاصمة بقوة السلاح، بعد هزيمته في الانتخابات النيابية، والعام 2020 حدثت تغييرات كثيرة على الأرض، أدت إلى انبثاق اتفاق الصخيرات، وتلاه حدوث تغيرات سياسية في الاصطفافات، وعسكرية في المحاور القتالية. كما أدت، كذلك، إلى اختفاء الكثير من الشخصيات والقيادات، وظهور أخرى. ومالت الموازين العسكرية على محاور جبهات القتال، ومن أهم نتائجها تمدد سيطرة قوات المشير خليفة حفتر، ومن يقف وراءها، على مساحات كبيرة من البلاد شرقاً وجنوباً وغرباً. ومؤخراً، تمكنت قواته من الاستحواذ على مدينة سرت، في ساعات قليلة، وأعلنت مدينة مصراتة، القوة الضاربة، وقاعدة المقاومة ضد حفتر، حالة الطوارئ القصوى. وحالياً، فإن المسافة الفاصلة بين القوتين 300 كيلومتر، في طريق صحراوي، مفتوحة على كل الاحتمالات، باستثناء احتمال التفاوض بغرض السلام. السؤال: مَنْ مِنَ القوتين سوف يجرؤ على قطعها أولاً، باتجاه إشعال فتيل معركة ستكون نتائجها مهلكة للبلاد والعباد على المدى الطويل، بغض النظر عمن يخرج منها فائزاً؟
تصاعد وتيرة وشدة الحرب، وتمدد رقعتها وأطرافها، قد يدفعان بالمجتمع الدولي إلى طريق من اثنين:
1 - التمهل في انتظار أن يتمكن طرف من حسم الصراع عسكرياً، وهذا أمر قابل للنقاش.
أو...
2 - أن يهرع، على وجه السرعة، إلى التحرك لتدارك الأمر قبل استفحاله وخروجه بالكامل عن السيطرة، ويتمدد الاقتتال والفوضى إلى أراضي الدول المجاورة.
وفي رأينا، فإن الطريق الثاني يعد الأكثر منطقية وواقعية. ويتم ذلك بسعي المجتمع الدولي إلى البحث عن حل سياسي مؤقت، يبدأ بفرض هدنة لوقف الأعمال الحربية، يليها السعي إلى وضع ضغوط على الدول الداعمة لأطراف النزاع، لتقبل بالجلوس إلى منضدة التفاوض، والخروج بحلول توافقية، تضمن مصالحها، في سياق سلمي، دائم.
وأعتقد أن ما يحدث من مشاورات ولقاءات وراء الكواليس، مؤخراً، بقيادة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مع نظرائها الأوروبيين وغيرهم من قادة الدول المجاورة لليبيا، وتناقلتها وسائل الإعلام، مؤخراً، تسير في هذا الطريق، لكن بخريطة ذات تفاصيل، وفقاً لبعض تقارير إعلامية، لا تتسم بوضوح كاف ومشجع لكل الأطراف.
بعض من المحللين القريبين من المشهد الليبي يرون أن التدهور الخطير الذي وصلته العلاقات الأميركية - الإيرانية مؤخراً، عقب مقتل الجنرال قاسم سليماني، سيؤدي ضمنياً، وفقاً للظروف الجديدة، إلى تراجع المسألة الليبية في قائمة الأولويات الأميركية. وفي نفس الوقت، فإن الانشغال الأميركي بإيران سوف يزيد في حجم الضغوط على القادة الأوروبيين للتحرك حفاظاً على أمن بلدانهم، وضماناً لاستمرار وصول إمدادات الطاقة إليها، والتخلص نهائياً من منصات انطلاق المهاجرين الأفارقة المنتشرة على طول الساحل الليبي.
التمسك بخيوط الأمل حتى وإن بدت، حالياً، واهنة في وصول الأطراف المتصارعة إلى سلام وتوافق آخر ما تبقى لدى أغلب الليبيين من أحلام في قلوبهم، وفي دنياهم، لم تطلها بعد نيران الحرب.