جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

إرساء ثقافة الاعتذار

منذ أن ظهرت الصحافة المقروءة، وجد المعلقون الإعلاميون، بمهمة رصد الأحداث الجارية، وتقديم وجهات نظرهم إزاءها بالتحليل والتوضيح. مع تقدم الزمن، وتطور الدنيا، وظهور وسائل إعلام مسموعة ومرئية ازدادت الحاجة إلى المعلقين، وتكاثروا وصاروا جزءاً لاغنى عنه في دنيا الإعلام.
المعلقون، على اختلاف أجناسهم، ولغاتهم، مختلفون. لا أحد يشبه الآخر، ولكل منهم أسلوبه، وشخصيته، وقراؤه الحريصون على متابعة تحليلاته، وتعليقاته. ولكونهم بشراً، فهذا يعني أنهم ليسوا محايدين، وإن تظاهر بعضهم بغير ذلك، لأنهم، مثل غيرهم، لهم مصالح ينحازون إليها في مواقع الحياة المختلفة سواء أكانت سياسية، أو غيرها.
المعلقون على الأحداث السياسية، خصوصاً، أكثر حرصاً على عدم إخفاء هوّياتهم السياسية، وأهوائهم. وهذا أمر محمود، لأنه يتيح لهم الخوض في التعليق على الأحداث من مواقعهم في ضفة سياسية معروفة، ومن لا تعجبه آراءهم، فهو في حِلّ من متابعتها.
المعلقون، أيضاً، درجات ومراتب. منهم ديناصورات، ضخام الأحجام والصيت لقدراتهم، ولما لديهم من خبرات وتجارب أكسبتهم الاحترام، ولما لهم من علاقات بصناع القرارات السياسية، ومعرفتهم الواسعة بمختلف عناصر وَصَفَات الطبخات التي تعد في مطابخ الحكومات. ومنهم، أيضاً، متوسطو القامات، والأحجام. ويتسع ذيل القائمة ليشمل أنواعاً كثيرة وغريبة من صغير السمك غير الملحوظ.
تبدل الظروف والأحوال، وتعقد تشابك المصالح، وما يحدث تحت السطح في الشؤون السياسية يجعل من بعض المعلقين وسائل وأدوات في أيادي السياسيين وذوي النفوذ لتحقيق مصالح آنية. وهذا بدوره يدفع ذلك البعض إلى تشويه الحقائق عمداً، والاحتيال على القراء، بهدف كسب دعمهم لقضية ما. هذا النوع من المعلقين ليس في حاجة إلى اعتذار، وحجتهم الغاية تبرر الوسيلة. هذه النوعية من المعلقين الإعلاميين لا تستحق عناء التوقف عندها.
أحياناً، ينزلق بعض المعلقين ممن يحظون باحترام القراء إلى الخوض بآرائهم وتحليلاتهم في قضايا، بدون التسلح بما يكفي من معلومات، فيقعون فرائس سهلة في شراك وفخاخ، ويجدون أنفسهم في مواضع لا يتمنونها.
أحياناً، نتيجة تسرع، ووسط ظروف تتسم بغموض، أجدني خائضاً، برأيي، في قضايا، كان يتوجب عليَّ فيها التمهل والابتعاد عن الانفعال العاطفي. لكني لم أفعل، مما يترتب على ذلك الخطأ أخطاء أخرى.
في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، نشرتُ تعليقاً، في هذه الصحيفة، بعنوان «حرب طرابلس ونواقيس الخطر». ومن ضمن ما تعرضت له في تعليقي إشارة إلى تصريح أدلى به السيد حسن زقلام، وزير المالية الأسبق في حكومة السيد عبد الرحيم الكيب، بالقيام بجمع تواقيع لمواطنين ليبيين للمطالبة بانفصال غرب ليبيا عن شرقها ما لم يسارع أعيان وحكماء برقة بوقف الهجوم العسكري على العاصمة طرابلس. وذكرت، أيضاً، في التعليق أن السيد زقلام كان قد قدم استقالته من حكومة السيد الكيب أحتجاجاً على تهريب الأموال الليبية عبر الحدود.
لحسن حظي أن السيد د. عبد الرحيم الكيب، ثاني رئيس وزراء لليبيا بعد 2011، قرأ التعليق، وسارع بالكتابة إليَّ مصححاً ومنبهاً إلى ضرورة تحرّي الحقائق، وعدم التسرع بنشر معلومات غير صحيحة. وأيضاً، ضرورة إرساء ثقافة الاعتذار. السيد الكيب أرسل إليَّ بكافة الوثائق المتعلقة بتلك المعلومات، واستحق شكري على ذلك.
وأنا من جانبي، أعتذر علناً له شخصياً، وللسيد زقلام، وللقراء. ومبرري لا يستحق عناء الإشارة إليه، لأن من واجبي التيقن أولاً، من صحة ما أقدمه من معلومات للقراء في تعليقاتي.
يقول السيد الكيب مصححاً، إن السيد حسن زقلام عقب إدلائه بذلك التصريح المهدد بالانفصال لقناة تلفزية ليبية سارع بالاعتذار. هذا أولاً.
وثانياً، أن السيد زقلام لم يستقل من حكومته، كما ذكرتُ، خطأ، في تعليقي، بل أكمل مدته، وحضر مع بقية الوزراء المراسم الرسمية للتسليم والتسلم، وأرفق مع ذلك صورة فوتوغرافية تؤكد ذلك.
وثالثاً، فيما يخص تهريب الأموال الليبية عبر الحدود، ذكر السيد الكيب أن السيد زقلام ظهر فعلياً في لقاء تلفزيوني، ذاكراً أن كميات من الأموال الليبية تهرب إلى خارج البلاد. لكنه لم يقدم استقالته بعد تلك المقابلة. أضف إلى ذلك، أنه لم يبلغ رئيس الحكومة، آنذاك، السيد الكيب مباشرة بتهريب أموال ليبية بكميات كبيرة خارج البلاد، ولم يذكر كذلك أن جماعات مسلحة تقوم بعمليات التهريب.
ويعزو السيد الكيب في رسالته انفعال السيد زقلام، في تلك المقابلة، إلى حادثة تعرض أحد موظفي مصلحة الجمارك، بمطار طرابلس، إلى الإهانة لدى قيامه بواجبه في اكتشاف عملية تهريب. ونظراً لأن مصلحة الجمارك تتبع وزارة المالية، التي يترأسها السيد زقلام، فإن ما حدث من اعتداء على الموظف أثار غضبه، وانفعاله، ودعاه لقبول الظهور في مقابلة تلفزية والإشارة إلى عمليات التهريب.
ويختتم السيد الكيب رسالته بإشارته إلى حقيقة أن السيد زقلام كان طرفاً رئيسياً، وقتذاك، في الرد على تصريح السيد محمد يوسف المقريف، أول رئيس للمؤتمر الوطني العام (البرلمان) بعد 2011، بأن حكومة الدكتور عبد الرحيم الكيب قامت بصرف ما قيمته خمسة ملايين دينار ليبي على شراء قرطاسية مكتبية وأثاث.