طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

الذهب وأشياء أخرى!

ما الذي يتبقى لديك من أحلام عندما ترتدي حذاء من ذهب، وتفطر جبنة برقائق ذهب، وتتغدى شريحة لحم بصوص الذهب، والعشاء شوكولاته سوداء محشوة بالذهب، البدلة أو الفستان أيضاً ذهب، والشواية والمدفأة والأبواب والشبابيك من ذهب، وتقضي حاجتك في (تواليت) كل مشتقاته مصنوعة من الذهب الخالص؟
ما ذكرته ليس من وحي قصص (علي بابا والأربعين حرامي) ولا علاقة لها بكلمة السر (افتح يا سمسم)، إنها واحدة من آخر محاولات الإنسان للبحث عن السعادة، بمختلف الطرق، سحر التعلق بالذهب يبدأ من الطفولة، كان يروى عن أمير الشعراء أحمد شوقي، وكانت جدته لأمه تعمل في قصر الخديو إسماعيل وتصطحبه معها، بينما هو يطيل النظر لأعلى حيث ثريات الذهب، وعندما التقاه الخديوي، وجد الحل أن يلقي إليه على الأرض بدراهم ذهبية، فتوجه إليها شوقي يجمعها، ولم يعد ينظر لأعلى، والغريب أن من أوائل دواوينه حمل اسم «أسواق الذهب»!
في الماضي كان أولاد البلد يتباهون باستبدال أسنانهم الطبيعية بأسنان ذهبية، بينما الأقل ثراء يكتفي بصناعتها من فضة، كما أن السيدات كن ولا يزلن في الأحياء الشعبية تتباهين بعدد أساور الذهب، في المعصم، ظهر لإنقاذ الموقف الذهب الصيني، وهو عبارة عن طلاء من ذهب يطلقون عليه (قشرة)، وبسبب مشكلات الزواج و«الشبكة» بات هناك تسامح اجتماعي في عدد من الأسر للتغاضي عن الذهب الخالص والاكتفاء باستخدام الصيني، إلى (حين ميسرة).
كانت أكبر مشكلة ترددت عن الذهب «القشرة» قبل سنوات قليلة، وهو كما كشفت عنه أم كلثوم ابنة أديبنا الكبير نجيب محفوظ، أنه بعد أن حصل على جائزة نوبل عام 1988 وطبقاً للقانون تم تتويجه بقلادة النيل (الذهبية) أرفع الأوسمة المصرية، وتشككت زوجة أديبنا الكبير، في القلادة، فذهبت إلى جواهرجي العائلة، الذي أكد شكوكها، فهي فضة مطلية بالذهب، واحتفظ نجيب كعادته بالسر، فما الذي يقوله بعد أن منحه الرئيس الأسبق حسني مبارك قلادة وصفتها كل الصحف بالذهبية هل يتشكك فيها على الملأ؟ بينما ابنته ولأنهم كانوا بعد رحيله، بصدد إعداد المتحف الخاص الذي يحمل اسمه ويحوي مقتنياته، فكان ينبغي أن تعلن الحقيقة، وقتها دافع فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، قائلاً إن الأجانب يحصلون عليها من ذهب، والمصريون تقدم لهم مطلية فقط بالذهب، وهو ما أغضب المثقفين المصريين بسبب هذا التمييز غير المنطقي، القانون لا يفرق بين مصري وأجنبي، ويجب أن تصنع في الحالتين من الذهب عيار (18). المقتنيات الذهبية شاهدناها كثيراً في الأفلام مثلاً في «رد قلبي» عندما تمنح الأميرة إنجي، التي أدت دورها مريم فخر الدين علبة المجوهرات كاملة إلى علي (شكري سرحان) الذي مثل دور أحد رجال ثورة 52 فيعيد إليها القطعة الذهبية، التي تعتز بها على هيئة قلب، ومن هنا جاء اسم الفيلم «رد قلبي».
تذكرت مونولوج إسماعيل ياسين الذي كتبه أبو السعود الإبياري قبل 70 عاماً عن السعادة (كلنا عايزين سعادة - بس إيه هي السعادة - ولا إيه معنى السعادة – قول لي يا صاحب السعادة- قول لي قول لي)، هل حقاً في الذهب تكمن السعادة؟ حتى لو أفطرت يومياً جبنة من الذهب فلن تضمن السعادة، فهي أغلى من الذهب!