علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

تم الطرح

منذ أن أعلنت الحكومة السعودية النية عن طرح جزء من أسهم شركة «أرامكو» والآراء متباينة بين محب وكاره، ومخلص ومدلس، فمن يقول إن الحكومة السعودية مخطئة، إذ كيف تبيع الدجاجة التي تبيض ذهبا؟! وآخر يقول إن الحكومة السعودية تبيع ثروتها في باطن الأرض قبل استخراجها، إلى غير ذلك من الآراء التي تبث كراهية لا وعياً اقتصادياً.
كل هذا لا يهم، فتلك آراؤهم وهم أحرار فيها، لكن في فترة من الفترات خرجت شائعة تقول إن الحكومة السعودية عدلت عن رأيها في طرح جزء من أسهم شركة «أرامكو» في السوق.
وعاد هؤلاء ليقولوا إن الحكومة السعودية غير صادقة في وعودها، وبالذات مع مواطنيها الذين وعدتهم بالطرح، ولكنها غيرت رأيها. حقيقة لا أعرف ماذا سيقول هؤلاء بعد أن أصبح لا يفصلنا عن الطرح سوى بضعة أيام! من المؤكد أن الحيلة لن تعجزهم، وسيجدون ما يقولون!
لكن المهم أن السعودية ماضية مصممة على تنفيذ ما وعدت به، وها هي نشرة الاكتتاب تعلن مع خروج هذا المقال للنور، وطرح شركة «أرامكو» ليس تخلياً عن السيادة - كما يصورون - ولكنه لا يتعدى طرح شركة من مثيلاتها المطروحة في الأسواق منذ عشرات السنين، وقد تكون مكاسب الطرح أفضل من مكاسب سيطرة الحكومة على الشركة، وأتوقع ألا تكتفي الحكومة بطرح ما لا يتجاوز 5 في المائة من أسهم «أرامكو»، بل أتوقع مع الزمن أن يتم طرح 49 في المائة من أسهم الشركة في أي سوق يستوعبها.
وبعد هذه المقدمة، وفي هذا اليوم (الأحد)، ستكون نشرة الاكتتاب بين يدي الجميع، ومن الطبيعي أن تختلف آراء الناس حول جدوى الاكتتاب في شركة «أرامكو» من عدمه، إذا كان ذلك مبنياً على معايير اقتصادية بحتة، ومن الطبيعي أن تختلف حتى آراء الاقتصاديين حول جدوى الاكتتاب من عدمه، فهذا شأن كل علم، وهو أمر طبيعي يبنى على قيمة السهم وعائده ومستقبل الشركة، إلى غير ذلك من الأمور الاقتصادية، وهو أمر مقبول ومحتمل.
لكن دعوني أحدثكم عن قصة طرح شركة سعودية أخرى، وهي شركة الاتصالات السعودية. فحينما قررت الحكومة السعودية مطلع الألفية الثالثة طرح 30 في المائة من أسهم شركة الاتصالات السعودية، تباينت الآراء الاقتصادية حيال ذلك، فمن مؤيد متحمس إلى معارض متحمس يرى عدم جدوى الاستثمار في أسهم الشركة لأسباب عدة، أهمها أن الشركة قائمة على التقنية، ولذلك فتقييم الشركة مبالغ فيه، على اعتبار أن التقنية متطورة، وما قيمته ملايين الريالات أو حتى مليارات الريالات اليوم قد تصبح قيمته صفراً غداً، إذا تم اكتشاف تقنية جديدة، وكان لهذا الرأي وجاهته في وقت طرح أسهم الاتصالات، لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟
إذا كانت تلك بداية القصة، فاقرأوا نهايتها: اليوم، سعر سهم شركة الاتصالات ذو القيمة الاسمية البالغة 10 ريالات أصبحت قيمته السوقية مائة ريال، وغير ذلك رفعت الشركة رأس مالها، وشركة الاتصالات تدفع عائداً قدره 4 ريالات عن السهم الواحد سنوياً، أي بعائد قدره 40 في المائة مقابل القيمة الاسمية. هذه بالطبع ليست توصية استثمار، كما تذيل به كل شركة مالية آخر كل تقرير تنشره أو توزعه على عملائها لتخلي مسؤوليتها، وأنا اقتدي بها وأخلي مسؤوليتي، ولكن ما أشبه الليلة بالبارحة، كما تقول العرب، وأتوقع شخصياً أن يتكرر السيناريو، كما يقول السينمائيون، مع شركة «أرامكو»، وهو أمر أتوقعه.
وفي الختام، فاختلاف الآراء الاقتصادية أمر صحيح ومفيد، ولكل رأي حججه المنطقية والصحيحة في وقتها، بشرط واحد، وهو أن يكون الرأي خالياً من أي توجه سياسي، كما هو حال طرح شركة «أرامكو»، وأن يكون خالياً من أي توجه مصلحي في الشركات الأقل من «أرامكو»، فأحياناً يكون للمنافسين رأي آخر تدفعه للمصلحة.