د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

أخيراً... «أرامكو» في تداول

أعلنت شركة «أرامكو» السعودية أمس الأحد عن طرح أسهم الشركة للاكتتاب الأولي في السوق السعودية (تداول)، موقفة بذلك سنوات من التشكيك في نيتها طرح أسهمها. وقد بدأت شائعات طرح «أرامكو» في السوق السعودية (تداول) قبل ما يزيد على سنتين بقليل، سبقها بما يقارب السنة أول تصريح عن نية المملكة لطرح أسهم «أرامكو» للاكتتاب من ولي العهد السعودي.
وتناولت الأخبار طيلة السنوات الماضية أخبار هذا الاكتتاب، الذي يعد أكبر اكتتاب في التاريخ. فتناولت صحف عن إمكانية طرحه في السوق الأميركية، وأبدى الرئيس الأميركي حينها رغبته في أن تكون سوق نيويورك حاضنة لهذا الاكتتاب. وتناولت أخرى احتمالية طرحه في أسواق لندن وهونغ كونغ، بينما ذهب بعضها الآخر إلى أن تملك الصين حصة من «أرامكو».
لم تفتأ الصحف العالمية في تحليل هذا الطرح سواء من ناحية الإمكانية، وكان أحدها هو عدم جاهزية سوق المال السعودية لاحتواء هذا الاكتتاب، رغم العمل الدؤوب على تطوير سوق المال السعودية الذي نتج عنه إدراج السوق السعودية في مؤشرات الأسواق الناشئة خلال هذا العام، وتقدم مستوى الحوكمة في الشركات السعودية لـ10 مراكز لتصل إلى المركز الـ23 عالمياً، وكل ذلك تجلى في مؤتمر القطاع المالي الذي أقيم في الرياض هذا العام.
والآن، انتهت كل هذه الشائعات، وأعلنت «أرامكو» رسمياً موافقة هيئة سوق المال السعودية على طرح أسهمها للاكتتاب في «تداول»، وسوف تصدر خلال أقل من عشرة أيام نشرة إصدار «أرامكو»، وبعدها بأقل من شهر سيتم تداول أسهم «أرامكو» السعودية في السوق السعودية، منهية بذلك أكثر من 3 سنوات من التحليلات التي ابتعد بعضها كثيراً عن الواقع. وأعلنت «أرامكو» عن تفاصيل للمساهمين خلال هذا المؤتمر، ومنها ضمان الأرباح الموزعة لن تقل عن 75 مليار دولار سنوياً للسنوات الخمس الأولى من الطرح. كما أعطت محفزات للمساهمين الذين يحتفظون بأسهمهم دون بيع لمدة 180 يوماً من تاريخ بداية التداول بمنحهم أسهماً مجانية بعد هذه الفترة، وفي ذلك حفظ لمستوى سعر السهم خلال الأشهر الأولى، كما أن فيه توازناً للسوق السعودية من تذبذبات محتملة من تداول عدد أسهم ضخم طرحت على دفعة واحدة.
ولا شك أن السوق السعودية سوف تنتعش بدخول «أرامكو» السعودية فيها، فما كانت تسعى له أسواق كبرى مثل نيويورك ولندن لن يكون تأثيره بسيطاً على السوق السعودية. وما جعل توقيت هذا الطرح مناسباً، هو وجود «تداول» في مؤشر الأسواق الناشئة؛ فحجم التغطية الإعلامية الهائل على هذا الاكتتاب قد يجعل السوق السعودية محط أنظار مستثمرين كثر. وحتى مع كثير من التحليلات التي تفترض هبوطاً لأسعار الأسهم السعودية بعد طرح «أرامكو» بحجة تحوّل السيولة من أسهم إلى أخرى، فإن دخول سيولة جديدة للسوق سواء من مستثمرين سعوديين أو أجنبيين سوف يضيف توازناً لهذا التحول، بل إن هذا الطرح سوف يضيف مستثمرين كثراً للسوق السعودية، تماماً كما فعلت الاكتتابات في بداية الألفية في السوق السعودية.
طرح «أرامكو» هو البداية، ولكنه نهاية الشائعات، فهو طرح جزئي عن النسبة المقرر طرحها من أسهم الشركة، وقد تكون المرحلة الثانية في أسواق خارجية كما كان مقترحاً منذ البداية. كما أنه طرح سيعطي المستثمرين نكهة من إحدى أكبر الشركات ربحية في العالم إن لم تكن الأكبر. ولا شك أنه سوف يغير الكثير بالسوق السعودية، الذي قد يعرفه أضعاف المستثمرين الذين يعرفونه الآن بارتباط اسم «تداول» بـ«أرامكو»، ولذلك فهو طرح إيجابي بلا شك على المدى الطويل للسوق السعودية.