د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

السلطة «المفسدة المطلقة»

لم نجد ذات يوم مكاناً يسعنا في «ديوان» الوزير الأسبوعي كما نطلق عليه في الكويت، إذ كان الناس في الخارج نصف عدد من يجلسون في الداخل مما سبب حرجاً كبيراً للضيوف الأمر الذي اضطرهم إلى تقليص مدة زيارتهم إلى بضع دقائق إفساحاً للمجال لآخرين. وما أن خرج الوزير من وزارته حتى فوجئنا في الأسبوع التالي مباشرة، بأن القاعة لم يكن فيها نصف العدد! بعبارة أخرى حينما ذهب المنصب غاب من كان يأتي للوزير بدافع ما يمتلكه من سلطة ونفوذ.
بيد أن الفئة الثانية التي استمرت معه، كانت على ما يبدو متعلقة به، رغم أنه لم يكن يشغل أي منصب. وربما أحد أسباب ذلك قوة تأثيره عليهم لما يمتلكه من علم وخبرة ونظرة ثاقبة لم تغب بغياب المنصب. وهذا ما نسميه في الإدارة بمصادر السلطة الفردية الخمسة أو قوة التأثير في الآخرين Individual Power، التي قدمها الباحثان فرنش ورافن في دراستهما الذائعة الصيت عام 1968. وهي السلطة الشرعية، وسلطة الثواب، والعقاب. فتلك السلطات الثلاث يستمدها المرء من وظيفته. هذه السلطات ما كان يبحث عنها أولئك الذين هجروا مجلس الوزير السابق إلى وزير حالي.
وعلى الصعيد الآخر هناك مصدران أساسيان من سلطات التأثير لن يخبو بسببهما نجم المسؤول حتى وإن أزيح من منصبه، فهما مرتبطان بالفرد نفسه كسلطة «الخبير» بمجال ما، وسلطة المرجعية referent. ولذا فإن المرء قد لا يحتاج إلى منصب ما دام يتحلى بقوة تأثير المرجعية أو الخبير الذي يرجع إليه الناس وقت الاختلاف حول مسألة ما شائكة. فهو بحكم أنه ضليع في تخصص محدد قد يصبح قبلة الآخرين نظرا لقوة تأثيره فيهم. ولذا قيل Knowledge is power أي المعرفة قوة. هذه الفئة تتبعها عادة وسائل الإعلام مهما تقدم بها العمر نتيجة التجربة الثرية أو عمق المستوى العلمي.
خلاصة القول إن المنصب إلى زوال، وأما قوة الخبرة والعلم والتجربة الثرية فستبقى شاهدة على تأثير المرء وما حصده من رصيد كبير في ميادين الحياة. وأولئك الذي يتشبثون بالسلطة وهم يفتقرون إلى خبرة حقيقية، فهم أكثر الناس تعلقا بمناصب لأطول مدة ممكنة حتى لا تنكشف ضحالة تأثيرهم.