شريا أوفيد
بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

هل يدرك «فيسبوك» مدى خطورة تأثيره؟

دافع مارك زوكربيرغ الخميس الماضي بأسلوب عاطفي عن أهمية موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» وغيره من منصات التواصل عبر الإنترنت بوصفها إحدى الأدوات الأساسية للتعبير الحر الضروري لديمقراطية سليمة، وهو ما اتفق ويتفق معه معظم الأميركيين من حيث المبدأ.
في الحقيقة، ليست الفكرة أو المبدأ هي ما تشكل الجانب المظلم لـ«فيسبوك» ولإعلام الإنترنت بصفة عامة. لكن الجانب المظلم هو كيف يمكن أن تتبدل هذه المبادئ عن قصد أو غير قصد عندما تصطدم بالواقع المعيش. والسؤال هو ما إذا كان الخير الذي يأتي من أي شيء - سواء من «فيسبوك» أو من السيارة أو من الكهرباء - يفوق الآثار السلبية التي لا مفر منها، وإذا ما كان من الممكن تخفيف تلك الآثار، مع ضرروه إبراز الآثار السلبية.
ورغم سعادتي بتوضيح زوكربيرغ لقيمته وقيمة الشركة التي يسيطر عليها بشكل مطلق، فإن مبادئ «فيسبوك» تتضاءل عندما تتصادم المثل العليا مع أكثر من 2.4 مليار شخص حول العالم يستخدمون منصته أو يستخدمون تطبيق المحادثة الخاص به «ماسنجر»، ويرتفع الرقم إلى أكثر من 2.7 مليار عند إضافة تطبيقي «واتساب» و«إنستغرام».
الخميس الماضي، استغل الرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك» كلمة ألقاها في جامعة «جورج تاون» للمطالبة برؤية أكثر تفاؤلا بالإنترنت. وكان خطاباً جيداً يستحق المشاهدة، إذ قال إن انتشار منصات التواصل مثل «فيسبوك» يتيح المزيد من الفرص أمام الناس لسماع الآراء بطرق لم تكن ممكنة في الماضي، مشيراً إلى مجموعة من الأثرياء التي تسيطر على الصحف المطبوعة وعلى موجات البث التلفزيوني، وبالتالي على الرأي العام من خلالها.
وأضاف زوكربيرغ في كلمته أنه على مدى التاريخ الطويل، فإن حرية التعبير والكلام مطلوبة، وهي أمور صحية ما دمنا التزمنا بالابتعاد عن المحظورات والتزمنا بحدود معينة ومعقولة مثل حظر الصياح «الكاذب» داخل مسرح مغلق مزدحم بأن حريقاً قد شب.
كيف يمكن لأي شخص أن يختلف مع ذلك؟ وكما هو الحال دائما، فإن الشيطان يكمن في التفاصيل، حيث هناك من لا يوافق على منع بعض الناس من الصراخ حتى ولو كذبا من باب حرية التعبير، وموقف كهذا لا بد أن يؤدي إلى حدوث تدافع ودهس. الأهم من ذلك، هل بإمكان «فيسبوك»، ضمن نطاقه، القضاء على الخطاب المؤذي المتمثل في الدعاية الإرهابية وحوادث العنف والتحريض على العنف والخداع التي تحدث عندما يكون هناك الآلاف من الناس يصرخون كذبا «حريق... حريق» كل دقيقة؟
لم يذكر زوكربيرغ ميانمار في خطابه، لكن بالنسبة لي تمثل تلك الكارثة بوتقة مبادئ حرية التعبير عبر موقع «فيسبوك». ففي ذلك البلد، نشر الناس الخدع والمزاعم المضللة ودعوا إلى العنف في مواجهة الأقلية المسلمة «الروهينغا». كان بعض الأشخاص الذين ينشرون تلك الرسائل البغيضة عبر «فيسبوك» إما سياسيين أو ضباطا في الجيش أو مسؤولين في السلطة. وتوسلت مجموعات في ميانمار لإدارة «فيسبوك» للتخلي عما يعتبره كثير من الناس قواعد «فيسبوك» الخاصة، وهو ما لم يكن مقبولا على الإطلاق.
توصل «فيسبوك» العام الماضي إلى اتفاق مع الأمم المتحدة التي قالت إن الشركة لم تفعل ما يكفي لمنع ما تقوم به من تسهيل للعنف القائم على أساس عرقي. لم تكن مبادئ «فيسبوك» هي من تسببت في حدوث إبادة جماعية في ميانمار، بل واقعها هو ما جعل الشركة التي تضم 2.7 مليار شخص حول العالم لم تهتم بالقدر الكافي بالجوانب السلبية لحرية التعبير في ميانمار، ولم تتصرف حيالها إلا بعد فوات الأوان.
اعترف «فيسبوك» بأنه كان «بطيئاً للغاية في التحرك» في ميانمار، وهنا أحد الأمثلة الواضحة التي بينت كيف أن شركة يمكن أن تصبح منصة للعنف أو للدعاية أو لغيرها من العلل عندما تتعارض مبادئها مع الواقع الذي يعيشه العالم، ومع حدود الشركة وقدرتها على فهم أبعاد الضرر الذي يمكن أن تتسبب فيه. ما حدث هو أن موقع «فيسبوك» قد زاد الأمور سوءا من خلال أنظمة الكومبيوتر التي تكافئ أكثر الأفكار تطرفا وغرابة بنشرها على أوسع نطاق.
لقد فشل «فيسبوك» مراراً وتكراراً في فهم مدى الأضرار التي يتسبب فيها جراء تضخيم منصته للأحداث وبثها على نطاع واسع، وهو ما تكرر في قيام جماعاته ببث أفكار خلافية حول الانتخابات الأميركية، وفي ميانمار، وفي سريلانكا وفي غيرها من مناطق العالم. وفشلت تلك المنصة في إدراك ذلك حتى بعد فوات الأوان، بل حاولت في كثير من الأحيان التقليل من الأضرار الناجمة.
سيكون هذا النمط مضحكاً إذا لم تكن العواقب وخيمة. وحتى عندما يدرك «فيسبوك» المشكلة، فإنه ليس من الواضح أن الشركة أو أي شركة مثيلة لها قد انتبهت أو كرست جهودها ومواردها لتقييم صيحات «الحريق» التي تتردد عن طريقها أبواقها في مختلف أنحاء العالم.
ستكون هناك خلافات طبيعية ومتوقعة حول طبيعة الخطاب ونوع المعلومات التي ينبغي عليها النأي بنفسها عنها، لكن عندما تفشل «فيسبوك» في إدراك أسوأ الانتهاكات التي تحدث نتيجة لإمساكها بمكبر الصوت المتمثل في 2.7 مليار شخص حول العالم، فلن يكون من المنطقي السؤال عما إذا كانت مبادئه تعني الكثير.
- بالاتفاق مع «بلومبرغ»