حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

مقابلة... وإعلام المنطقة

تابع جمهور عريض جداً حول العالم اللقاء التلفزيوني الأخير لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع برنامج «60 دقيقة» الشهير، الذي تبثه قناة «سي بي إس» الأميركية، وهو البرنامج الأيقونة والأهم في مجالات الحوارات والتحقيقات الصحافية. وهو أيضاً البرنامج الذي يحتل بشكل متواصل موقعاً ثابتاً ضمن البرامج العشرة الأكثر مشاهدة في أميركا، ويتراوح عدد مشاهديه بين تسعة ملايين واثني عشر مليون مشاهد أسبوعياً. وقد اختارت إدارةُ البرنامج المخضرمة نورا أودونيل لإجراء الحوار، وهي ليست مذيعة فحسب ولكنها رئيسة تحرير الأخبار في المحطة ككل والمسؤولة الأولى في البرنامج، ليثبت البرنامج مجدداً أن الصحافة المهنية الجادة المحترمة تبقى الأكثر فعالية والأشد تأثيراً. وهذا يذكّرنا بما انبهر به الساسة والمفكرون والعامة في حقبة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وبعد ذلك طوال حقبة القرن العشرين بالصحافة الورقية وما قدمته، فقالوا عنها وفيها: إن آية هذا الزمان هي الصحافة. وطبعاً من المتوقع اليوم أن يأتي مَن يشكك في هذه المقولة ويعتقد بثباتها بذات الدرجة بسبب القفزات الهائلة والعظيمة التي حصلت في التقنيات المتعلقة بثورة التواصل والاتصالات وأوجدت مجموعات ومجاميع مختلفة كلياً عما كانت معروفة عليه في الماضي غير البعيد. فتغير الوضع ولم تعد الكلمة هي التي تصنع الخبر ولكن بات العكس تماماً هو الصحيح، إذ أصبح الخبر نفسه وكيفية صناعته وإخراجه وتوجيهه هو الذي كوّن القيمة المضافة للإعلام الجديد بأدواته العصرية الحديثة وآلياته المبهرة.
وإذا كان الإعلام الأساسي بشكله الصحافي التقليدي اعتمد على التقسيم المهني القديم بين الخبر والرأي، فاليوم من الواضح أن الأمر تغير ولم يعد كذلك، لأن صياغة الخبر بالأدوات والآليات العصرية المبهرة تقنياً، وأسلوب تقديمه، حوّلت الخبر إلى رأي مغلف. وهذا يأتي بنا إلى حال جل الإعلام العربي، ولماذا ليست لديه نفس المكانة والجدارة والاحترام على المستوى الدولي؟ بالإضافة إلى الأسباب البدهية مثل سقف الحريات، واستقرار الملكيات والدعم المالي، إلا أن هناك مشكلة مهنية لا يمكن إنكارها ولا إغفالها أبداً. فعلى سبيل المثال، لمعدّي البرامج الحوارية والإخبارية قائمة أسماء واحدة، يحفظون هواتف من فيها، ويقومون بالاتصال بهم بشكل تلقائي ومن دون تفكير ولا تردد تماماً بما يشبه الاتصال بمطاعم الوجبات السريعة التي تعوّد الإنسان عليها لطلب وجبة. لا يمكن بطبيعة الحال أن تجد مطعماً يعتذر لك عن عدم تلبية طلبك، وبالتالي باتت النتيجة الحزينة أننا نأكل نفس الطعام وذات الوجبة، حتى تشابه الطعم وبات بارداً بلا نكهة وبلا فائدة مخلّفاً متلقين يرددون نفس الكلام الخالي من العلم.
أي مشروع نهضوي وتنموي حقيقي في المنطقة لا بد أن يطال هذا القطاع المؤثر والفعال بمنحه الثقة المطلوبة والحرية المرجوّة، وتأمين القانون الذي يحمي صلاحيات التمويل الحقيقية حتى يكون التمكين كاملاً وتتمكن من أداء الدور المنتظر بمهنية وحرفية تنال بموجبها المكانة اللائقة.
هناك حديث مقلق وتزايد عن تهميش مساحة الحرية في المجال الإعلامي في بعض بلدان العالم العربي، وهي مسألة مقلقة لأن ضررها مهما كانت الأسباب يفوق فوائدها، وعلى المدى الطويل لن يفشل الإعلام العربي لو مُنح أدوات التمكين الكاملة، بل سيكون من أهم القوى الناعمة ومن أدوات الاستقرار.